تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (8)

{ 8 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قد أمر الله بالتوبة النصوح في هذه الآية ، ووعد عليها بتكفير السيئات ، ودخول الجنات ، والفوز والفلاح ، حين يسعى المؤمنون يوم القيامة بنور إيمانهم ، ويمشون بضيائه ، ويتمتعون بروحه وراحته ، ويشفقون إذا طفئت الأنوار ، التي لا تعطى المنافقين ، ويسألون الله أن يتمم{[1168]}  لهم نورهم فيستجيب الله دعوتهم ، ويوصلهم ما{[1169]}  معهم من النور واليقين ، إلى جنات النعيم ، وجوار الرب الكريم ، وكل هذا من آثار التوبة النصوح .

والمراد بها : التوبة العامة الشاملة للذنوب كلها ، التي عقدها العبد لله ، لا يريد بها إلا وجهه{[1170]}  والقرب منه ، ويستمر عليها في جميع أحواله .


[1168]:- في ب: يتم.
[1169]:- في ب: بما.
[1170]:- في ب: إلا وجه الله.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (8)

{ توبة نصوحا } قال عمر بن الخطاب : التوبة النصوح هي أن تتوب من الذنب ثم لا تعود إليه أبدا ولا تريد أن تعود . وقيل : معناه توبة خالصة فهو من قولهم عسل ناصح إذا خلص من الشمع ، وقيل : هو أن تضيق على التائب الأرض بما رحبت كتوبة الثلاثة الذين خلفوا ، قال الزمخشري : وصفت التوبة بالنصح على الإسناد المجازي والنصح في الحقيقة صفة التائبين وهو أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم وقد تكلمنا على التوبة في قوله : { وتوبوا إلى الله جميعا } [ النور : 31 ] في النور { يوم لا يخزي الله النبي } العامل في يوم يحتمل أن يكون ما قبله أو ما بعده أو محذوف تقديره اذكر ، والوقف والابتداء يختلف على ذلك .

{ والذين آمنوا } يحتمل أن يكون معطوفا على النبي أو مبتدأ وخبره بعده .

{ نورهم يسعى } ذكر في الحديد .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (8)

قوله : { ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا } يأمر الله عباده المؤمنين بالتوبة إليه في كل الأحيان لينيبوا إليه طائعين مخبتين وأن يرجعوا عن ذنوبهم جازمين عازمين على أن لا يعودوا إليها عقب توبتهم وندمهم واستغفارهم . وهو قوله : { توبة نصوحا } واختلفوا في تأويل التوبة النصوح على عدة أقوال . منها : أنها الصادقة الناصحة . ومنها أنها : الندم بالقلب والاستغفار باللسان والإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العودة . وقيل : هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وجل منها .

قوله : { عسى ربكم أن يكفّر عنكم سيئاتكم } عسى من الله واجبة ، يعني توبوا إلى الله يوجب لكم تكفير سيئاتكم وإدخالكم جنات شاسعة عظام بظلها الوارف الظليل ، وأنهارها الجارية السائحة ونعيمها الدائم المقيم . وهو قوله : { ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار } .

قوله : { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه } يوم ، منصوب على أنه ظرف متعلق بقوله : { ويدخلكم } أي ويدخلكم { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه } فالله ينجي رسوله والمؤمنين من العذاب والخزي فلا يخزيهم كما خزى المجرمين فحل بهم العذاب والخزي والافتضاح .

قوله : { نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا } يسأل المؤمنون ربهم يوم القيامة أن يبقى لهم نورهم فلا ينطفئ كما انطفأ نور المنافقين عند تجاوز الصراط . وقيل : ليس من أحد إلا يعطى نورا يوم القيامة فيطفأ نور المنافق فيمشي تائها هائما على وجهه يتخبط وحينئذ يخشى المؤمن أن ينطفئ نوره كما انطفأ نور المنافق فيسأل الله أن يتمم له نوره فلا يطفئه .

وكذلك يسأل المؤمنون ربهم يوم القيامة أن يعفو عنهم ويتجاوز عن سيئاتهم وهو قوله : { واغفر لنا إنك على كل شيء قدير } أي استر علينا ذنوبنا ولا تفضحنا بها فإنك يا ربنا مقتدر على فعل ما تشاء من غفران الذنوب والستر على العيوب والتنجية من البلايا والكروب{[4577]} .


[4577]:تفسير الطبري ص 107، 108 والكشاف جـ 4 ص 130 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 392.