تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ} (13)

فَتَرْكُ المشركين الإخلاص لهذا الرب العظيم الواحد القهار ، الذي انقادت المخلوقات لأمره ونفذ فيها قدره ، من أعجب الأشياء ، واتخاذهم له أندادًا يسوونهم به ، وهم ناقصون في أوصافهم وأفعالهم ، أعجب ، وأعجب ، ولا دواء لهؤلاء ، إن استمر إعراضهم ، إلا العقوبات الدنيوية والأخروية ، فلهذا خوفهم بقوله : فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ

أي : فإن أعرض هؤلاء المكذبون بعد ما بين لهم من أوصاف القرآن الحميدة ، ومن صفات الإله العظيم { فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً } أي : عذابًا يستأصلكم ويجتاحكم ، { مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } القبيلتين المعروفتين ، حيث اجتاحهم العذاب ، وحل عليهم ، وبيل العقاب ، وذلك بظلمهم وكفرهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ} (13)

يقول تعالى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق : إن أعرضتم عما جئتكم به من عند الله فإني أنذركم حلول نقمة الله بكم ، كما حلت بالأمم الماضين من المكذبين بالمرسلين { صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } أي : ومن شاكلهما {[25645]} ممن فعل كفعلهما .


[25645]:- (4) في أ: "شاكلهم".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ} (13)

{ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } .

بعد أن قَرَعتهم الحجة التي لا تترك للشك مسرباً إلى النفوس بعدها في أَن الله منفرد بالإِلهية لأنه منفرد بإيجاد العوالم كلها . وكان ثبوت الوحدانية من شأنه أن يزيل الريبة في أن القرآن منزَّل من عند الله لأنهم ما كفروا به إلا لأجل إعلانه بنفي الشريك عن الله تعالى ، فلما استبان ذلك كان الشأن أن يفيئوا إلى تصديق الرسول والإيمان بالقرآن ، وأن يقلعوا عن إعراضهم المحكي عنهم بقوله في أول السورة { فأعرض أكْثَرُهُم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ } [ فصلت : 4 ] الخ ، فلذلك جعل استمرارهم على الإِعراض بعد تلك الحجج أمراً مفروضاً كما يُفْرَض المُحال ، فجيء في جانبه بحرف ( إنْ ) الذي الأصل فيه أن يقع في الموقع الذي لا جزم فيه بحصول الشرط كقوله تعالى : { أفنضرب عنكم الذكر صفحاً إن كنتم قوماً مسرفين } [ الزخرف : 5 ] في قراءة من قرأ بكسر همزة ( إنْ ) .

فمعنى { فَإنْ أعْرَضُوا } إن استمروا على إعراضهم بعد ما هديتهم بالدلائل البينة وكابروا فيها ، فالفعل مستعمل في معنى الاستمرار كقوله : { ياأيها الذين آمنوا آمنوا باللَّه ورسوله } [ النساء : 136 ] .

والإِنذار : التخويف ، وهو هنا تخويف بتوقع عقاب مثل عقاب الذين شابهوهم في الإِعراض خشيةَ أن يحلّ بهم ما حل بأولئك ، بناء على أن المعروف أن تجري أفعال الله على سَنن واحد ، وليس هو وعيداً لأن قريشاً لم تصبهم صاعقة مثلُ صاعقة عاد وثمود ، وإن كانوا قد ساوَوْهما في التكذيب والإِعراض عن الرسل وفي التعللات التي تعللوا بها من قولهم : { لو شاء الله لأنزل ملائكة } [ المؤمنون : 24 ] وأمهل الله قريشاً حتى آمن كثير منهم واستأصل كفارهم بعذاب خاص .

وحقيقة الصاعقة : نار تخرج مع البرق تُحرق ما تصيبه ، وتقدم ذكرها في قوله تعالى : { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق } في سورة البقرة ( 19 ) . وتطلق على الحادثة المبيرة السريعة الإهلاككِ ، ولما أضيفت صاعقة هنا إلى عادٍ وثمود ، وعادٌ لم تهلكهم الصاعقة وإنما أهلكهم الريح وثمودُ أهلكوا بالصاعقة فقد استُعمل الصاعقة هنا في حقيقته ومجازه ، أو هو من عموم المجاوز والمقتضي لذلك على الاعتبارين قصدَ الإِيجاز ، وليقع الإِجمَال ثم التفصيل بعد بقوله : { فأمَّا عَادٌ } [ فصلت : 15 ] إلى قوله : { بما كانوا يكسبون } [ فصلت : 17 ] .

و { إذ } ظرف للماضي ، والمعنى مثل صاعقتهم حين جاءتهم الرسل إلى آخر الآيات . روى ابن إسحاق في سيرته أن عتبةَ بن ربيعة كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاففِ قومه فتلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم { حم تَنزِيلٌ مِنَ الرحمن الرَّحِيم } حتى بلغ { فَقُلْ أنذَرْتُكُمْ صاعقة } [ فصلت : 1 13 ] الآية ، فأمسَكَ عتبةُ على فم النبي وقال له : « ناشدتُك الله والرحم »

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ} (13)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فإن أعرضوا} عن الإيمان يعني التوحيد.

{فقل أنذرتكم صاعقة} في الدنيا.

{مثل صاعقة عاد وثمود}: مثل عذاب عاد وثمود، وإنما خص عادا وثمود من بين الأمم؛ لأن كفار مكة قد عاينوا هلاكهم باليمن والحجر.

كل من يموت من عذاب أو سقم أو قتل فهو مصعوق.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فإن أعرض هؤلاء المشركون عن هذه الحجة التي بيّنتها لهم يا محمد، ونبهتهم عليها فلم يؤمنوا بها ولم يقرّوا أن فاعل ذلك هو الله الذي لا إله غيره، فقل لهم: أنذرتكم أيها الناس صاعقة تهلككم مثل صاعقة عاد وثمود.

وقد بيّنا فيما مضى أن معنى الصاعقة: كلّ ما أفسد الشيء وغيره عن هيئته. وقيل في هذا الموضع عنى بها وقيعة من الله وعذاب.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} لم يُرد به عين عذاب أولئك ومثله في رأي العين، ولكن مثله في الهلاك والاستئصال، ألا ترى أن عذاب عاد وثمود مختلفان في رأي العين، عذاب عاد خلاف عذاب ثمود، وهما في المعنى واحد.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن الكلام إنما ابتدئ من قوله {أنما إلهكم إله واحد} واحتج عليه بقوله {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} وحاصله أن الإله الموصوف بهذه القدرة القاهرة كيف يجوز الكفر به، وكيف يجوز جعل هذه الأجسام الخسيسة شركاء له في الإلهية؟ ولما تمم تلك الحجة قال: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} وبيان ذلك؛ لأن وظيفة الحجة قد تمت على أكمل الوجوه، فإن بقوا مصرين على الجهل لم يبق حينئذ علاج في حقهم إلا إنزال لعذاب عليهم؛ فلهذا السبب قال: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم} بمعنى أن أعرضوا عن قبول هذه الحجة القاهرة التي ذكرناها وأصروا على الجهل والتقليد.

{فقل أنذرتكم} والإنذار هو: التخويف، قال المبرد والصاعقة الثائرة المهلكة لأي شيء كان...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{أَنذَرْتُكُمْ} أي أنذركُم وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على تحقيقِ الإنذارِ المنبئ عن تحقيقِ المنذَرِ به.

{مثْلَ صاعقة عَادٍ وَثَمُودَ} وقُرِئ صعقةً مثلَ صعقةِ عادٍ وثمودٍ وهي المرةُ من الصعْقِ أو الصَّعَقُ.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}.

إن استمرارهم على الإِعراض بعد تلك الحجج أمر مفروض كما يُفْرَض المُحال، فجيء في جانبه بحرف (إنْ) الذي الأصل فيه أن يقع في الموقع الذي لا جزم فيه بحصول الشرط كقوله تعالى: {أفنضرب عنكم الذكر صفحاً إن كنتم قوماً مسرفين} [الزخرف: 5] في قراءة من قرأ بكسر همزة (إنْ)، فمعنى {فَإنْ أعْرَضُوا} إن استمروا على إعراضهم بعد ما هديتهم بالدلائل البينة وكابروا فيها، فالفعل مستعمل في معنى الاستمرار كقوله: {ياأيها الذين آمنوا آمنوا باللَّه ورسوله} [النساء: 136].

والإِنذار: التخويف، وهو هنا تخويف بتوقع عقاب مثل عقاب الذين شابهوهم في الإِعراض خشيةَ أن يحلّ بهم ما حل بأولئك، بناء على أن المعروف أن تجري أفعال الله على سَنن واحد، وليس هو وعيداً؛ لأن قريشاً لم تصبهم صاعقة مثلُ صاعقة عاد وثمود، وإن كانوا قد ساوَوْهما في التكذيب والإِعراض عن الرسل وفي التعللات التي تعللوا بها من قولهم: {لو شاء الله لأنزل ملائكة} [المؤمنون: 24] وأمهل الله قريشاً حتى آمن كثير منهم واستأصل كفارهم بعذاب خاص.

وحقيقة الصاعقة: نار تخرج مع البرق تُحرق ما تصيبه، وتطلق على الحادثة المبيرة السريعة الإهلاكِ، ولما أضيفت صاعقة هنا إلى عادٍ وثمود، وعادٌ لم تهلكهم الصاعقة وإنما أهلكهم الريح وثمودُ أهلكوا بالصاعقة فقد استُعمل الصاعقة هنا في حقيقته ومجازه، أو هو من عموم المجاوز والمقتضي لذلك على الاعتبارين قصدَ الإِيجاز، وليقع الإِجمَال ثم التفصيل بعد بقوله: {فأمَّا عَادٌ} [فصلت: 15] إلى قوله: {بما كانوا يكسبون} [فصلت: 17].

و {إذ} ظرف للماضي، والمعنى مثل صاعقتهم حين جاءتهم الرسل إلى آخر الآيات.