{ 14-19 }{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } .
يخبر تعالى عن شناعة حال المنافقين الذين يتولون الكافرين ، من اليهود والنصارى وغيرهم ممن غضب الله عليهم ، ونالوا من لعنة الله أوفى نصيب ، وأنهم ليسوا من المؤمنين ولا من الكافرين ، { مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ } ، فليسوا مؤمنين ظاهرا وباطنا لأن باطنهم مع الكفار ، ولا مع الكفار ظاهرا وباطنا ، لأن ظاهرهم مع المؤمنين ، وهذا وصفهم الذي نعتهم الله به ، والحال أنهم يحلفون على ضده الذي هو الكذب ، فيحلفون أنهم مؤمنون ، وهم يعلمون{[1019]} أنهم ليسوا مؤمنين .
يقول تعالى منكرا على المنافقين في موالاتهم الكفار في الباطن ، وهم في نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين ، كما قال تعالى :{ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا } [ النساء : 143 ] وقال ها هنا :{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } يعني : اليهود ، الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن . ثم قال :{ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ } أي : هؤلاء المنافقون ، ليسوا في الحقيقة لا منكم أيها المؤمنون ، ولا من الذين تولوهم وهم اليهود .
ثم قال :{ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يعني : المنافقين يحلفون على الكذب وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا ، وهي اليمين الغموس ، ولا سيما في مثل حالهم اللعين ، عياذًا بالله منه{[28464]} ، فإنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، وإذا جاءوا الرسول حلفوا بالله [ له ]{[28465]} أنهم مؤمنون ، وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به ؛ لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه ، وإن كان في نفس الأمر مطابقًا ؛ ولهذا شهد الله بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك .
هذه حالة أخرى من أحوال أهل النفاق هي تولّيهم اليهود مع أنهم ليسوا من أهل ملتهم لأن المنافقين من أهل الشرك .
والجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لأنها عود إلى الغرض الذي سبقت فيه آيات { إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا } [ المجادلة : 5 ] بعد أن فصل بمستطردات كثيرة بعده .
والقوم الذين غضب الله عليهم هم اليهود وقد عرفوا بما يرادف هذا الوصف في القرآن في قوله تعالى : { غير المغضوب عليهم } [ الفاتحة : 7 ] .
والاستفهام تعجيبي مثل قوله : { ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى } [ المجادلة : 8 ] .
ووجه التعجيب من حالهم أنهم تولَّوْا قوماً من غير جنسهم وليسوا في دينهم ما حملهم على توليهم إلا اشتراك الفريقين في عداوة الإِسلام والمسلمين .
وضمير { ما هم } يحتمل أن يعود إلى { الذين تولوا } وهم المنافقون فيكون جملة { ما هم منكم ولا منهم } حالاً من { الذين تولوا } ، أي ما هم مسلمون ولا يهود . ويجوز أن يعود الضمير إلى { قوماً } وهم اليهود . فتكون جملة { ما هم منكم } صفة { قوماً } قوماً ليسوا مسلمين ولا مشركين بل هم يهود .
وكذلك ضمير { ولا منهم } يحتمل الأمرين على التعاكس وكلا الاحتمالين واقع . ومراد على طريقة الكلام الموجه تكثيراً للمعاني مع الإِيجاز فيفيد التعجيب من حال المنافقين أن يتولوا قوماً أجانب عنهم على قوم هم أيضاً أجانب عنهم ، على أنهم إن كان يفرق بينهم وبين المسلمين اختلاف الدّين فإن الذي يفرق بينهم وبين اليهود اختلاف الدين واختلاف النسب لأن المنافقين من أهل يثرب عرب ويفيد بالاحتمال الآخر الإخبار عن المنافقين بأن إسلامهم ليس صادقاً ، أي ما هم منكم أيها المسلمون ، وهو المقصود . ويكون قوله : { ولا منهم } على هذا الاحتمال احتراساً وتتميماً لحكاية حالهم ، وعلى هذا الاحتمال يكون ذم المنافقين أشد لأنه يدل على حماقتهم إذ جعلوا لهم أولياء مَن ليسوا على دينهم فهم لا يوثق بولايتهم وأضمروا بغض المسلمين فلم يصادفوا الدين الحق .
{ ويحلفون على الكذب } عطف على { تولوا } وجيء به مضارعاً للدلالة على تجدده ولاستحضار الحالة العجيبة في حين حلفهم على الكذب للتنصل مما فعلوه . والكذب الخبر المخالف للواقع وهي الأخبار التي يخبرون بها عن أنفسهم في نفي ما يصدر منهم في جانب المسلمين .
{ وهم يعلمون } جملة في موضع الحال ، وذلك أدخل في التعجيب لأنه أشنع من الحلف على الكذب لعدم التثبت في المحلوف عليه .
وأشار هذا إلى ما كان يحلفه المنافقون للنبيء صلى الله عليه وسلم وللمسلمين إذَا كشف لهم بعض مكائدهم ، ومن ذلك قول الله تعالى فيهم : { ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم } [ التوبة : 56 ] ، وقوله : { يحلفون بالله لكم ليرضوكم } [ التوبة : 62 ] وقوله : { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر } [ التوبة : 74 ] .
قال السدِّي ومقاتل : نزلت في عبد الله بن أبي وعبد الله بن نبتل ( بنون فباء موحدة فمثناة فوقية ) كان أحدهما وهو عبد الله بن نبتل يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ويرفع أخباره إلى اليهود ويسبّ النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغ خبره أو أطلعه الله عليه جاء فاعتذر وأقسم إنه ما فعل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.