تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

{ 25 } { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا }

أي : ربكم تعالى مطلع على ما أكنته سرائركم من خير وشر وهو لا ينظر إلى أعمالكم وأبدانكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وما فيها من الخير والشر .

{ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ } بأن تكون إرادتكم ومقاصدكم دائرة على مرضاة الله ورغبتكم فيما يقربكم إليه وليس في قلوبكم إرادات مستقرة لغير الله .

{ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ } أي : الرجاعين إليه في جميع الأوقات { غَفُورًا } فمن اطلع الله على قلبه وعلم أنه ليس فيه إلا الإنابة إليه ومحبته ومحبة ما يقرب إليه فإنه وإن جرى منه في بعض الأوقات ما هو مقتضى الطبائع البشرية فإن الله يعفو عنه ويغفر له الأمور العارضة غير المستقرة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

قال سعيد بن جبير : هو الرجل تكون{[17416]} منه البادرة إلى أبويه ، وفي نيته وقلبه أنه لا يؤخذ به - وفي رواية : لا يريد إلا الخير بذلك - فقال : { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ }

وقوله [ تعالى ]{[17417]} : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال قتادة : للمطيعين أهل الصلاة .

وعن ابن عباس : المسبحين . وفي رواية عنه : المطيعين المحسنين .

وقال بعضهم : هم الذين يصلون بين العشاءين . وقال بعضهم : هم الذين يصلون الضحى{[17418]} .

وقال شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب في قوله : { [ فَإِنَّهُ ]{[17419]} كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال : الذي يصيب الذنب ثم يتوب ، ويصيب الذنب ثم يتوب .

وكذا رواه عبد الرزاق ، عن الثوري ومعمر ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب نحوه ، وكذا رواه الليث وابن جريج ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن ]{[17420]} المسيب ، به وكذا قال عطاء بن يسار .

وقال مجاهد ، وسعيد بن جبير : هم الراجعون إلى الخير .

وقال مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال : هو الذي إذا ذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله منها . ووافقه على ذلك مجاهد{[17421]} .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن عبيد بن عمير ، في قوله : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال : كنا نعد الأواب الحفيظ ، أن يقول : اللهم اغفر لي ما أصبت{[17422]} في مجلسي هذا{[17423]} .

وقال ابن جرير : والأولى في ذلك قول من قال : هو التائب من الذنب ، الراجع عن المعصية إلى الطاعة ، مما يكره الله إلى ما يحبه ويرضاه{[17424]} .

وهذا الذي قاله هو الصواب ؛ لأن الأواب مشتق من الأوب وهو الرجوع ، يقال : آب فلان إذا رجع ، قال الله تعالى : { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ } [ الغاشية : 25 ] ، وفي الحديث الصحيح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع من سفر قال{[17425]} : آيبون تائبون عابدون ، لربنا حامدون " {[17426]} .


[17416]:في ت، ف: "يكون".
[17417]:زيادة من ت.
[17418]:في ت: "الصبح".
[17419]:في ت، ف: "إنه" وهو خطأ.
[17420]:زيادة من ف.
[17421]:في ف: "ووافقه مجاهد في ذلك".
[17422]:في ت: "ما أحببت".
[17423]:تفسير عبد الرزاق (1/320).
[17424]:تفسير الطبري (15/52).
[17425]:في ف، أ: "يقول".
[17426]:رواه البخاري في صحيحه برقم (1797) من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

{ ربكم أعلم بما في نفوسكم } من قصد البر أليهما واعتقاد ما يجب لهما من التوقير ، وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالا . { إن تكونوا صالحين } قاصدين للصلاح . { فإنه كان للأوّابين } للتوابين . { غفورا } ما فطر منهم عند حرج الصدر من أذية أو تقصير ، وفيه تشديد عظيم ، ويجوز أن يكون عاما لكل تائب ، ويندرج فيه الجاني على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

تذييل لآية الأمر بالإحسان بالوالدين وما فصل به ، وما يقتضيه الأمر من اختلاف أحوال المأمورين بهذا الأمر قبل وروده بين موافق لمقتضاه ومفرط فيه ، ومن اختلاف أحوالهم بعد وروده من محافظ على الامتثال ، ومقصر عن قصد أو عن بادرة غفلة .

ولما كان ما ذكر في تضاعيف ذلك وما يقتضيه يعتمد خلوص النية ليجري العمل على ذلك الخلوص كاملاً لا تكلف فيه ولا تكاسل ، فلذلك ذيله بأنه المطلع على النفوس والنوايا ، فوعد الولد بالمغفرة له إن هو أدى ما أمره الله به لوالديه وافياً كاملاً . وهو مما يشمله الصلاح في قوله : { إن تكونوا صالحين } أي ممتثلين لما أمرتم به . وغير أسلوب الضمير فعاد إلى ضمير جمع المخاطبين لأن هذا يشترك فيه الناس كلهم فضمير الجمع أنسب به .

ولما شمل الصلاح الصلاح الكامل والصلاح المشوب بالتقصير ذيله بوصف الأوابين المفيد بعمومه معنى الرجوع إلى الله ، أي الرجوع إلى أمره وما يرضيه ، ففهم من الكلام معنى احتباك بطريق المقابلة . والتقدير إن تكونوا صالحين أوابين إلى الله فإنه كان للصالحين محسناً وللأوابين غفوراً . وهذا يعم المخاطبين وغيرهم ، وبهذا العموم كان تذييلاً .

وهذا الأوْب يكون مطرداً ، ويكون معرضاً للتقصير والتفريط ، فيقتضي طلب الإقلاع عما يخرمه بالرجوع إلى الحالة المرضية ، وكل ذلك أوْب وصاحبه آيِب ، فصيغ له مثال المبالغة ( أواب ) لصلوحية المبالغة لقوة كيفية الوصف وقوة كميته . فالملازم للامتثال في سائر الأحوال المراقب لنفسه أواب لشدة محافظته على الأوبة إلى الله ، والمغلوب بالتفريط يؤوب كلما راجع نفسه وذكر ربه ، فهو أواب لكثرة رجوعه إلى أمر ربه ، وكل من الصالحين .

وفي قوله : { ربكم أعلم بما في نفوسكم } ما يشمل جميع أحوال النفوس وخاصة حالة التفريط وبوادر المخالفة . وهذا من رحمة الله تعالى بخلقه .

وقد جمعت هذه الآية مع إيجازها تيسيراً بعد تعسير مشوباً بتضييق وتحذير ليكون المسلم على نفسه رقيباً .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قال تعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم}، يقول: هو أعلم بما في نفوسكم منكم من البر للوالدين عند كبرهما، فذلك قوله تعالى: {إن تكونوا صالحين}، يعني: محتسبين مما تعالجون منهما أو لا تحتسبون،

{فإنه كان للأوابين غفورا}، يعني: المتراجعين من الذنوب إلى طاعة الوالدين غفورا...

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

ابن جرير: حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني مالك، عن يحيى ابن سعيد، عن سعيد بن المسيب {فإنه كان للأوابين غفورا} قال: هو العبد يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره رَبّكُمْ أيها الناس أعْلَمُ منكم بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ من تعظيمكم أمر آبائكم وأمهاتكم وتكرمتهم، والبرّ بهم، وما فيها من اعتقاد الاستخفاف بحقوقهم، والعقوق لهم، وغير ذلك من ضمائر صدوركم، لا يخفى عليه شيء من ذلك، وهو مجازيكم على حَسَن ذلك وسيّئه، فاحذروا أن تُضمروا لهم سوءا، وتعقِدوا لهم عقوقا. وقوله:"إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ" يقول: إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم، وأطعتم الله فيما أمركم به من البرّ بهم، والقيام بحقوقهم عليكم، بعد هفوة كانت منكم، أو زلة في واجب لهم عليكم مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه، فإنه كان للأوّابين بعد الزّلة، والتائبين بعد الهَفْوة غفورا لهم...

واختلف أهل التأويل، في تأويل قوله: "فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا"؛

فقال بعضهم: هم المسبّحون...

وقال آخرون: هم المطيعون المحسنون... وأهل الصلاة...

وقال آخرون: بل هم الذين يصلون بين المغرب والعشاء...

وقال آخرون: هم الذين يصلّون الضّحَى...

وقال آخرون: بل هو الراجع من ذنبه، التائب منه... عن سعيد بن جبير في هذه الآية "فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا "قال: الراجعين إلى الخير...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: الأوّاب: هو التائب من الذنب، الراجع من معصية الله إلى طاعته، ومما يكرهه إلى ما يرضاه، لأن الأوّاب إنما هو فعّال، من قول القائل: آب فلان من كذا إما من سفره إلى منزله، أو من حال إلى حال...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

ومعنى "بما في نفوسكم "أي بما تضمرونه وتخفونه عن غيركم، فالله أعلم به منكم، وفي ذلك غاية التهديد...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} بما في ضمائركم من قصد البر إلى الوالدين واعتقاد ما يجب لهما من التوقير...

{إِن تَكُونُواْ صالحين} قاصدين الصلاح والبر، ثم فرطت منكم -في حال الغضب، وعند حرج الصدر وما لا يخلو منه البشر، أو لحمية الإسلام- هنة تؤدّي إلى أذاهما، ثم أنبتم إلى الله واستغفرتم منها، فإن الله غفور {لِلأَوَّابِينَ} للتوّابين... ويجوز أن يكون هذا عامّاً لكل من فرطت منه جناية ثم تاب منها، ويندرج تحته الجاني على أبويه التائب من جنايته، لوروده على أثره...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله {ربكم أعلم بما في نفوسكم} أي من اعتقاد الرحمة بهما والحنو عليهما أو من غير ذلك، ويجعلون ظاهر برهما رياء، ثم وعد في آخر الآية بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة إلى طاعة الله... وقال ابن جبير: أراد بقوله غفوراً للأوابين الزلة والفلتة تكون من الرجل إلى أحد أبويه، وهو لم يصر عليها بقلبه ولا علمها الله من نفسه...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قال تعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين} والمعنى أنا قد أمرناكم في هذه الآية بإخلاص العبادة لله تعالى وبالإحسان بالوالدين، ولا يخفى على الله ما تضمرونه في أنفسكم من الإخلاص في الطاعة وعدم الإخلاص فيها، فاعلموا أن الله تعالى مطلع على ما في نفوسكم بل هو أعلم بتلك الأحوال منكم بها، لأن علوم البشر قد يختلط بها السهو والنسيان وعدم الإحاطة بالكل، فأما علم الله فمنزه عن كل هذه الأحوال، وإذا كان الأمر كذلك كان عالما بكل ما في قلوبكم والمقصود منه التحذير عن ترك الإخلاص...

ثم قال تعالى: {إن تكونوا صالحين} أي إن كنتم برآء عن جهات الفساد في أحوال قلوبكم كنتم أوابين، أي رجاعين إلى الله منقطعين إليه في كل الأعمال وسنة الله وحكمه في الأوابين أنه غفور لهم يكفر عنهم سيآتهم... ولفظ الأواب على وزن فعال، وهو يفيد المداومة والكثرة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان ذلك عسراً جداً حذر من التهاون به بقوله تعالى: {ربكم} أي المحسن إليكم في الحقيقة، فإنه هو الذي عطف عليكم من يربيكم وهو الذي أعانهم على ذلك {أعلم} أي منكم {بما في نفوسكم} من قصد البر بهما وغيره، فلا يظهر أحدكم غير ما يبطن، فإن ذلك لا ينفعه ولا ينجيه إلا أن يحمل نفسه على ما يكون سبباً لرحمتهما {إن تكونوا} أي كوناً هو جبلة لكم {صالحين} أي متقين أو محسنين في نفس الأمر؛ والصلاح: استقامة الفعل على ما يدعو إليه الدليل، وأشار إلى أنه لا يكون ذلك إلا بمعالجة النفس وترجيعها كرة بعد فرة بقوله تعالى: {فإنه كان للأوابين} أي الرجاعين إلى الخير مرة إثر مرة بعد جماع أنفسهم عنه {غفوراً} أي بالغ الستر، تنبيهاً لمن وقع منه تقصير، فرجع عنه على أنه مغفور...

تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :

{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ} منكم {بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ} فقد تتوهمون أنكم بارون بالوالدين، وليس كذلك، بل قد قصرتم أو ملتم إلى كراهتهما، واستثقالهما، ولم تعالجوا أنفسكم عن ذلك، وما نفوسكم للبر إليهما أو الكراهة أو للعقوق، فيجازى كلا على حسبه... والآية وعد للموفي بحقهما، ووعيد وتهديد لمن قصر أو اضمر لهما ما يكرهان... {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ} بارين بالوالدين، موفين في دين الله عز وجل، أو صالحين مطيعين لله عز وجل، في حق الوالدين وغيره، أو صالحين في قصد الخير لهما، والوفاء بالدين فلا يضركم ما صدر في بعض الأحيان مما يسوءهما لقصدكم الخير والتوبة... وهذا في عموم قوله تعالى: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ} من الذنوب عمومًا...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولأن الانفعالات والحركات موصولة بالعقيدة في السياق، فإنه يعقب على ذلك برجع الأمر كله لله الذي يعلم النوايا، ويعلم ما وراء الأقوال والأفعال وما دام القلب صالحا، فإن باب المغفرة مفتوح. والأوابون هم الذين كلما أخطأوا عادوا إلى ربهم مستغفرين.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والتقدير إن تكونوا صالحين أوابين إلى الله فإنه كان للصالحين محسناً وللأوابين غفوراً. وهذا يعم المخاطبين وغيرهم.. وهذا الأوْب يكون مطرداً، ويكون معرضاً للتقصير والتفريط، فيقتضي طلب الإقلاع عما يخرمه بالرجوع إلى الحالة المرضية، وكل ذلك أوْب وصاحبه آيِب، فصيغ له مثال المبالغة (أواب) لصلوحية المبالغة لقوة كيفية الوصف وقوة كميته. فالملازم للامتثال في سائر الأحوال المراقب لنفسه أواب لشدة محافظته على الأوبة إلى الله، والمغلوب بالتفريط يؤوب كلما راجع نفسه وذكر ربه، فهو أواب لكثرة رجوعه إلى أمر ربه، وكل من الصالحين...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

{ربكم أعلم بما في نفوسكم} وأفعل التفضيل ليس على بابه؛ لأنه لا مفاضلة بين علمه سبحانه وعلم غيره، فلا يعلم خفى النفوس إلا خالقها الرقيب على كل شيء، العالم بكل شيء، وإنما المراد من أفعل التفضيل أنه سبحانه عالم بالنفوس علما لا يصل إليه علم قط... وصدر الكلام بقوله: {ربكم} للدلالة على علمه الدقيق؛ لأنه هو الذي خلق وأبدع، وربى ونمى، {إن تكونوا صالحين} إن تكونوا في ذات أنفسكم صالحين بقلوبكم وأنفسكم، فإن الله كان للأوابين غفورا، والصالح هو المستقيم النفس، المملوءة نفسه بالإخلاص، والطاهر القلب، فالاستقامة هي الصلاح كله والاستقامة تقتضي النية المخلصة والنفس النيرة... وقد وصف الله تعالى ذاته الكريمة، فقال: {فإنه كان للأوابين غفورا} وقد أكد ذلك سبحانه بإن وبكان، وبصيغة المبالغة...