تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (7)

فأول ذلك ، لما أوجد اللّه رسوله موسى ، الذي جعل استنقاذ هذا الشعب الإسرائيلي على يديه وبسببه ، وكان في وقت تلك المخافة العظيمة ، التي يذبحون بها الأبناء ، أوحى إلى أمه أن ترضعه ، ويمكث عندها .

{ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } بأن أحسست أحدا تخافين عليه منه أن يوصله إليهم ، { فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ } أي نيل مصر ، في وسط تابوت مغلق ، { وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } فبشرها بأنه سيرده عليها ، وأنه سيكبر ويسلم من كيدهم ، ويجعله اللّه رسولا .

وهذا من أعظم البشائر الجليلة ، وتقديم هذه البشارة لأم موسى ، ليطمئن قلبها ، ويسكن روعها ، فإنها خافت عليه ، وفعلت ما أمرت به ، ألقته في اليم ، فساقه اللّه تعالى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (7)

ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل ، خافت القبط أن يُفْني بني إسرائيل{[22219]} فَيَلُون{[22220]} هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة . فقالوا لفرعون : إنه يوشك - إن استمر هذا الحال - أن يموت شيوخهم ، وغلمانهم لا يعيشون ، ونساؤهم لا يمكن أن يَقُمْن بما يقوم به رجالهم من الأعمال ، فيخلص إلينا ذلك . فأمر بقتل الولدان عامًا وتركهم عامًا ، فولد هارون ، عليه السلام ، في السنة التي يتركون فيها الولدان ، وولد موسى ، عليه السلام ، في السنة التي يقتلون فيها الولدان ، وكان لفرعون أناس موكلون بذلك ، وقوابل يَدُرْنَ على النساء ، فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها ، فإذا كان وقت ولادتها لا يَقْبَلُها إلا نساء القبط ، فإذا ولدت المرأة جارية تركنها وذهبن ، وإن ولدت غلامًا دخل أولئك الذبَّاحون ، بأيديهم الشفار المرهفة ، فقتلوه ومضوا قَبَّحَهُم الله . فلما حملت أم موسى به ، عليه السلام ، لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها ، ولم تفطن لها الدايات ، ولكن لما وضعته ذكرًا ضاقت به ذرعًا ، وخافت عليه خوفًا شديدًا وأحبته حبًّا زائدًا ، وكان موسى ، عليه السلام ، لا يراه أحد إلا أحبه ، فالسعيد من أحبه طبعا وشرعًا قال الله تعالى : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } [ طه : 39 ] . فلما ضاقت ذرعًا به ألهمت في سرها ، وألقي في خلدها ، ونفث في روعها ، كما قال الله تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } . وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل ، فاتخذت تابوتًا ، ومهدَت فيه مهدًا ، وجعلت ترضع ولدها ، فإذا دخل عليها أحد مِمَّنْ تخاف جعلته في ذلك التابوت ، وسيرته{[22221]} في البحر ، وربطته{[22222]} بحبل عندها . فلما كان ذات يوم دخل عليها مَنْ تخافه ، فذهبت فوضعته في ذلك التابوت ، وأرسلته في البحر وذهلت عن أن تربطه ، فذهب مع الماء واحتمله ، حتى مر به{[22223]} على دار فرعون ، فالتقطه الجواري فاحتملنه ، فذهبن به إلى امرأة فرعون ، ولا يدرين ما فيه ، وخشين أن يفتتن عليها في فتحه دونها . فلما كشفت عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأحلاه وأبهاه ، فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه ، وذلك لسعادتها وما أراد الله من كرامتها وشقاوة بعلها ؛ ولهذا قال { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا [ وَحَزَنًا ] } {[22224]} .


[22219]:- في ف : "أن تفنى بنو إسرائيل" وفي أ : "أن يفنى ينو إسرائيل".
[22220]:- في أ : "فيكون".
[22221]:- في ت : "وأرسلته".
[22222]:- في أ : "وأوثقته".
[22223]:- في أ : "حتى قربه".
[22224]:- زيادة من ت ، ف ، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (7)

{ وأوحينا إلى أم موسى } بإلهام أو رؤيا . { أن أرضعيه } ما أمكنك إخفاؤه . { فإذا خفت عليه } بأن يحس به . { فألقيه في اليم } في البحر يريد النيل . { ولا تخافي } عليه ضيعة ولا شدة . { ولا تحزني } لفراقه . { إنا رادوه إليك } عن قريب بحيث تأمنين عليه . { وجاعلون من المرسلين } روي أنها لما ضر بها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بني إسرائيل فعالجتها ، فلما وقع موسى على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعشت مفاصلها ودخل حبه في قلبها بحيث منعها من السعاية ، فأرضعته ثلاثة أشهر ثم ألح فرعون في طلب المواليد واجتهد العيون في تفحصها فأخذت له تابوتا فقذفته في النيل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (7)

عطف على جملة { ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا } [ القصص : 5 ] ، إذ الكل من أجزاء النبأ . وتتضمن هذه الجملة تفصيلاً لمجمل قوله { ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا } ، فإن الإرادة لما تعلقت بإنقاذ بني إسرائيل من الذل خلق الله المنقذ لهم .

والوحي هنا وحي إلهام يوجد عنده من انشراح الصدر ما يحقق عندها أنه خاطر من الواردات الإلهية . فإن الإلهام الصادق يعرض للصالحين فيوقع في نفوسهم يقيناً ينبعثون به إلى عمل ما ألهموا إليه . وقد يكون هذا الوحي برؤيا صادقة رأتها . وأم موسى لم يعرف اسمها في كتب اليهود ، وذكر المفسرون لها أسماء لا يوثق بصحتها .

وقوله { أن أرضعيه } تفسير ل { أوحينا } . والأمر بإرضاعه يؤذن بجمل طويت وهي أن الله لما أراد ذلك قدّر أن يكون مظهر ما أراده هو الجنين الذي في بطن أم موسى ووضعته أمه ، وخافت عليه اعتداء أنصار فرعون على وليدها وتحيرت في أمرها فألهمت أو أريت ما قصه الله هنا وفي مواضع أخرى .

والإرضاع الذي أمرت به يتضمن أن : أخفيه مدة ترضعه فيها فإذا خفت عليه أن يعرف خبره فألقيه في اليمّ .

وإنما أمرها الله بإرضاعه لتقوى بُنيته بلبان أمه فإنه أسعد بالطفل في أول عمره من لبان غيرها ، وليكون له من الرضاعة الأخيرة قبل إلقائه في اليمّ قوت يشد بنيته فيما بين قذفه في اليم وبين التقاط آل فرعون إياه وإيصاله إلى بيت فرعون وابتغاء المراضع ودلالة أخته إياهم على أمه إلى أن أُحضرت لإرضاعه فأرجع إليها بعد أن فارقها بعض يوم . وحكت كتب اليهود أن أم موسى خبأته ثلاثة أشهر ثم خافت أن يفشو أمره فوضعته في سفط مقيَّر وقذفته في النهر . وقد بشرها الله بما يزيل همها بأنه راده إليها وزاد على ذلك بما بشرها بما سيكون له من مقام كريم في الدنيا والآخرة بأنه { من المرسلين } .

والظاهر أن هذا الوحي إليها كان عند ولادته وأنها أمرت بأن تلقيه في اليم عندما ترى دلائل المخافة من جواسيس فرعون وذلك ليكون إلقاؤه في اليم عند الضرورة دفعاً للضر المحقق بالضر المشكوك فيه ثم ألقي في يقينها بأنه لا بأس عليه .

و { اليم } : البحر وهو هنا نهر النيل الذي كان يشق مدينة فرعون حيث منازل بني إسرائيل . واليم في كلام العرب مرادف البحر ، والبحر في كلامهم يطلق على الماء العظيم المستبحر ، فالنهر العظيم يسمى بحراً قال تعالى { وما يستوي البحران هذا عذاب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج } [ فاطر : 12 ] ، فإن اليم من الأنهار .

وقد كانت هذه الآية مثالاً من أمثلة دقائق الإعجاز القرآني فذكر عياض في « الشفاء » والقرطبي في « التفسير » يزيد أحدهما على الآخر عن الأصمعي : أنه سمع جارية أعرابية تنشد :

أستغفر الله لأمري كله *** قتلت إنساناً بغير حله

مثل غزال ناعماً في دله *** انتصف الليل ولم أُصَلِّه

وهي تريد التورية بالقرآن . فقال لها : قاتلك الله ما أفصحك يريد ما أبلغك ( وكانوا يسمون البلاغة فصاحة ) فقالت له : أو يعد هذا فصاحة مع قوله تعالى { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } فجمع في آية واحدة خبرين ، وأمرين ، ونهيين ، وبشارتين .

فالخبران هما { وأوحينا إلى أم موسى } وقوله { فإذا خفت عليه } لأنه يشعر بأنها ستخاف عليه .

والأمران هما : { أرضعيه } و ( ألقيه ) .

والنهيان : { ولا تخافي } و { لا تحزني } .

والبشارتان : { إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } .

والخوف : توقع أمر مكروه ، والحزن : حالة نفسية تنشأ من حادث مكروه للنفس كفوات أمر محبوب ، أو فقد حبيب ، أو بعده ، أو نحو ذلك .

والمعنى : لا تخافي عليه الهلاك من الإلقاء في اليم ، ولا تحزني على فراقه .

والنهي عن الخوف وعن الحزن نهي عن سببيهما وهما توقع المكروه والتفكر في وحشة الفراق .

وجملة { إنا رادوه إليك } في موقع العلة للنهيين لأن ضمان رده إليها يقتضي أنه لا يهلك وأنها لا تشتاق إليه بطول المغيب . وأما قوله { وجاعلوه من المرسلين } فإدخال للمسرة عليها .