{ 18 - 22 } { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ *أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ }
يخبر تعالى أنه لا أحد { أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } ويدخل في هذا كل من كذب على الله ، بنسبة الشريك له ، أو وصفه بما لا يليق بجلاله ، أو الإخبار عنه ، بما لم يقل ، أو ادعاء النبوة ، أو غير ذلك من الكذب على الله ، فهؤلاء أعظم الناس ظلما { أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ } ليجازيهم بظلمهم ، فعندما يحكم عليهم بالعقاب الشديد { يَقُولُ الْأَشْهَادُ } أي : الذين شهدوا عليهم بافترائهم وكذبهم : { هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } أي : لعنة لا تنقطع ، لأن ظلمهم صار وصفا لهم ملازما ، لا يقبل التخفيف .
يبين تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة على رءوس الخلائق ؛ من الملائكة ، والرسل ، والأنبياء ، وسائر البشر والجان ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا بَهْز وعفان قالا أخبرنا هَمَّام ، حدثنا قتادة ، عن صفوان بن مُحْرِز قال : كنت آخذًا بيد ابن عمر ، إذ عرض له رجل قال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول : " إن الله عز وجل يدني المؤمن ، فيضع عليه كنَفَه ، ويستره من الناس ، ويقرره بذنوبه ، ويقول له : أتعرف ذنب كذا{[14540]} ؟ أتعرف ذنب كذا{[14541]} ؟ أتعرف ذنب كذا{[14542]} ؟ حتى إذا قَرَّره بذنوبه ، ورأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، وإني أغفرها لك اليوم . ثم يعطى كتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون فيقول : { الأشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ، من حديث قتادة به{[14543]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلََئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىَ رَبّهِمْ وَيَقُولُ الأشْهَادُ هََؤُلآءِ الّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىَ رَبّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وأيّ الناس أشدّ تعذيبا ممن اختلق على الله كذبا فكذب عليه ، أولئك يُعْرضون على ربهم ، ويقول الأشهاد : هؤلاء الذين يكذِبون على ربهم يعرَضون يوم القيامة على ربهم ، فيسألهم عما كانوا في دار الدنيا يعملون . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : ومَنْ أظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَى على اللّهِ كَذِبا قال : الكافر والمنافق أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ على رَبّهِمْ فيسألهم عن أعمالهم .
وقوله : وَيَقُولُ الأشْهادُ يعني الملائكة والأنبياء الذين شهدوهم وحفظوا عليهم ما كانوا يعملون ، وهم جمع شاهد مثل الأصحاب الذي هو جمع صاحب هَؤُلاءِ الّذِينَ كَذَبُوا على رَبّهِمْ يقول : شهد هؤلاء الأشهاد في الاَخرة على هؤلاء المفترين على الله في الدنيا ، فيقولون : هؤلاء الذين كذبوا في الدنيا على ربهم . يقول الله : ألاَ لَعْنَةُ اللّهِ على الظّالِمِينَ يقول : ألا غضب الله على المعتدين الذي كفروا بربهم .
وبنحو ما قلنا في قوله وَيَقُولُ الأشْهادُ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا نمير بن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَيَقُولُ الأشْهادُ قال : الملائكة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الملائكة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَيَقُولُ الأشْهادُ والأشهاد : الملائكة ، يشهدون على بني آدم بأعمالهم .
حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : الأشْهاد قال : الخلائق ، أو قال : الملائكة .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، بنحوه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : وَيَقُولُ الأشْهادُ الذين كان يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا هَؤُلاءِ الّذِينَ كَذَبُوا على رَبّهِمْ حفظوه وشهدوا به عليهم يوم القيامة . قال ابن جريج : قال مجاهد : الأشهاد : الملائكة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، قال : سألت الأعمش ، عن قوله : وَيَقُولُ الأشْهادُ قال : الملائكة .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَيَقُولُ الأشْهادُ يعني الأنبياء والرسل ، وهو قوله : وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا عَلَيْهِمْ مِنْ أنْفُسِهِمْ وَجِئنا بِكَ شَهِيدا على هَؤُلاءِ . قال : وقوله : وَيَقُولُ الأشْهادُ هَؤُلاءِ الّذِينَ كَذَبُوا على رَبّهِمْ يقولون : يا ربنا أتيناهم بالحقّ فكذّبوا ، فنحن نشهد عليهم أنهم كذبوا عليك يا ربنا .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد وهشام ، عن قتادة ، عن صفوان بن محرز المازني ، قال : بينا نحن بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف ، إذ عرض له رجل فقال : يا ابن عمر ما سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ فقال : سمعت نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يَدْنُو المُؤْمِنُ مِنْ رَبّهِ حتى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرّرُهُ بذنُوبِهِ ، فَيَقُولُ : هَلْ تَعْرِفُ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : رَبّ أعْرِفُ . مَرّتَينِ . حتى إذَا بَلَغَ بِهِ ما شاءَ اللّهُ أنْ يَبْلُغَ ، قال : فإنّي قَدْ سَترْتُها عَلَيْكَ فِي الدّنْيا وأنا أغْفِرُها لَكَ اليَوْمَ » قالَ : «فَيُعْطَى صحِيفَةَ حَسَناتِهِ أوْ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ . وأمّا الكُفّارُ والمُنافِقُونَ ، فَيُنادَى بِهِمْ على رُءوسِ الأشْهادِ : ألا هَؤُلاءِ الّذِينَ كَذَبُوا على رَبّهِمْ ألا لَعْنَةُ اللّهِ على الظّالِمِينَ » .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن صفوان بن محرز ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحوه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : كنّا نحدّث أنه لا يخزي يومئذ أحد فيخفي خزيه على أحد ممن خلق الله أو الخلائق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.