السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُعۡرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمۡ وَيَقُولُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (18)

ثم وصف الله تعالى هؤلاء المنكرين الجاحدين بصفات كثيرة في معرض الذم . الصفة الأولى : كونهم مفترين على الله كما قال تعالى : { ومن } أي : لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذباً } بنسبة الشريك والولد إليه ، أو أسند إليه ما لم ينزله ، أو نفى عنه ما أنزله . الصفة الثانية : أنهم يعرضون على الله تعالى في موقف الذل والهوان كما قال تعالى : { أولئك يعرضون على ربهم } أي : يوم القيامة . فإن قيل : هم لا يختصون بهذا العرض لأنّ العرض عامّ في كل العباد كما قال تعالى : { وعرضوا على ربك صفاً } [ الكهف ، 48 ] أجيب : بأنهم يعرضون فيفتضحون بشهادة الأشهاد عليهم كما قال تعالى : { ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم } فيحصل لهم من الخزي والنكال ما لا مزيد عليه ، وهذه هي الصفة الثالثة ، واختلف في هؤلاء الأشهاد ، فقال مجاهد : هم الملائكة الذين يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا ، وقال مقاتل : هم الناس كما يقال على رؤوس الأشهاد ، أي : على رؤوس الناس ، وقال قوم : هم الأنبياء كما قال تعالى : { فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين } [ الأعراف ، 6 ] . والفائدة في اعتبار قول الأشهاد المبالغة في إظهار الفضيحة . فإن قيل : العرض على الله يقتضي أن يكون الله تعالى في حيز وهو تعالى منزه عن ذلك . أجيب : بأنهم يعرضون على الأماكن المعدّة للحساب والسؤال ، أو يكون ذلك عرضاً على من يوبخ بأمر الله تعالى من الأنبياء والمؤمنين . والأشهاد جمع شاهد كصاحب وأصحاب ، أو جمع شهيد كشريف وأشراف . قال أبو علي الفارسي : وكان هذا أرجح ؛ لأنّ ما جاء من ذلك في التنزيل جاء على فعيل كقوله تعالى : { وجئنا بك شهيداً على هؤلاء } [ النحل ، 89 ] . وعن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ الله تعالى يدني المؤمن يوم القيامة فيستره من الناس فيقول : أي عبدي تعرف ذنب كذا وكذا فيقول : نعم ، حتى إذا قرّره بذنوبه قال تعالى : سترتها عليك في الدنيا وقد سترتها لك اليوم ، ثم يعطى كتاب حسناته » ، وأمّا الكافر والمنافق فتقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ولما أخبر الله تعالى عن حالهم في عقاب القيامة أخبر عن حالهم في الحال بقوله تعالى : { ألا لعنة الله على الظالمين } فبيّن تعالى أنهم في الحال ملعونون من عند الله ، وهذه هي الصفة الرابعة .