تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُعۡرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمۡ وَيَقُولُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (18)

وقوله تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ) هو ما ذكرنا أن لا أحد أظلم على نفسه ممن أخذ نفسه من معبوده ، وشغلها في عبادة من لا يملك نفعا إن عبده ، ولا ضرا عن ترك عبادته . أو يقول : لا أحد أظلم على نفسه ممن ألقى نفسه الطاهرة في عذاب الله ونقمته أبدا بافترائه على الله ، وبالله العصمة والقوة . وفي التأويل : لا أحد أظلم على نفسه ممن افترى على الله كذبا معنى[ في الأصل وم : وفي المعنى ] : لا أحد أفحش ظلما ممن افترى على الله كذبا بعد معرفته أن جميع ماله من الله .

وقوله تعالى : ( أولئك يعرضون على ربهم ) أي أولئك الذين تعرض أعمالهم على أنفسهم عند ربهم ؛ فإن وافقت أعمالهم ما في شهادة خلقتهم أدخلوا الجنة ، وإن خالفت أعمالهم شهادة خلقتهم أدخلوا النار .

تعرض على أنفسهم عند ربهم لأن الله عز وجل عالم بما كان منهم من الأعمال والأقوال ( على ربهم ) أي عند ربهم كقوله ( ولو ترى إذ وقفوا على ربهم )[ الأنعام : 27و30 ] أي عند ربهم ؛ وتأويله ما ذكرنا : يعرضون على ربهم لأنفسهم لأنهم إنما يؤمرون ، وينهون ، ويمتحنون لأنفسهم ولمنفعة أنفسهم ؛ فيكون عرضهم لهم : أو أن يكون قوله : ( أولئك يعرضون على ربهم ) أولئك يعرضون على [ ما ][ من م ، ساقطة من الأصل ] وعدهم ربهم ؛ في الدنيا ، أو يقول : ( أولئك يعرضون ) لأنفسهم ( على ربهم ) من غير غيبة كانت[ في الأصل وم : كان ] منه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ) اختلف فيه : قيل : الأشهاد الرسل والأنبياء ، وقال بعضهم : الأشهاد الملائكة ، وقال بعضهم : الأشهاد المؤمنون .

فمن قال : هم الأنبياء والمؤمنون فهو كقوله[ من م ، في الأصل : لقوله ] : ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )[ البقرة : 143 ] وكقوله ( وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )[ النساء : 41 ] ومن قال : هم الملائكة [ فهو ][ ساقطة من الأصل وم ] كقوله ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )[ ق : 18 ] وكقوله : ( وإن عليكم لحافظين )( كراما كاتبين )[ الانفطار : 10و11 ] ونحوه . ومعناه ، والله أعلم : تعرض أعمالهم وأقوالهم على أنفسهم ؛ فإن أقروا بها بعثوا إلى النار ، وإن أنكروها[ في الأصل وم : أنكروا ] يشهد عليهم ما ذكرنا[ في الأصل وم : ذكر ] من الشهداء ، فإن أنكروا ذلك فعند ذلك تشهد عليهم جوارحهم كقوله : ( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم )الآية[ النور : 24 ] .

ويحتمل أن تكون الملائكة نادوا في ملإ الخلق قبل أن يدخلوا النار : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ويحتمل ما ذكرنا[ في الأصل وم : ذكر ] في شهادة الذين كانوا موكلين بكتابة أعمالهم وأقوالهم ، يخبرون مما كتبوا[ من م ، في الأصل : يكتبوا ] في الكتب .

وقوله تعالى : ( ألا لعنة الله على الظالمين ) اللعنة : قال بعضهم : هي الطرد عن جميع المنافع ، والإبعاد عن رحمة الله في الدنيا ، وفي الآخرة عن ثوابه . وقال بعضهم : اللعنة : هي العذاب .