تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (206)

ثم ذكر أن هذا المفسد في الأرض بمعاصي الله ، إذا أمر بتقوى الله تكبر وأنف ، و { أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ } فيجمع بين العمل بالمعاصي والكبر{[133]}  على الناصحين .

{ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } التي هي دار العاصين والمتكبرين ، { وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } أي : المستقر والمسكن ، عذاب دائم ، وهم لا ينقطع ، ويأس مستمر ، لا يخفف عنهم العذاب ، ولا يرجون الثواب ، جزاء لجناياتهم ومقابلة لأعمالهم ، فعياذا بالله من أحوالهم .


[133]:- في ب: والتكبر.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (206)

وقوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ } أي : إذا وُعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله ، وقيل له : اتق الله ، وانزع عن قولك وفعلك ، وارجع إلى الحق - امتنع وأبى ، وأخذته الحميَّة والغضب بالإثم ، أي : بسبب ما اشتمل عليه من الآثام ، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [ الحج : 72 ] ، ولهذا قال في هذه الآية : { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } أي : هي كافيته عقوبة في ذلك .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (206)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ }

يعني بذلك جل ثناؤه : وإذا قيل لهذا المنافق الذي نعت نعته لنبيه عليه الصلاة والسلام وأخبره أنه يعجبه قوله في الحياة الدنيا : اتقّ الله ، وخَفْهُ في إفسادك في أرض الله ، وسعيك فيها بما حرّم الله عليك من معاصيه ، وإهلاكك حروث المسلمين ونسلهم استكبر ودخلته عزّة وحمية بما حرّم الله عليه ، وتمادى في غيه وضلاله . قال الله جل ثناؤه : فكفاه عقوبة من غيه وضلاله صِلِيّ نار جهنم ولبئس المهاد لصاليها .

واختلف أهل التأويل فيمن عنى بهذه الآية ، فقال بعضهم : عنى بها كل فاسق ومنافق . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، قال : حدثنا بسطام بن مسلم ، قال : حدثنا أبو رجاء العطاردي ، قال : سمعت عليا في هذه الآية : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَياة الدّنْيا إلى : وَاللّهُ رَءُوفٌ بالعِبادِ قال عليّ : اقتتلا وربّ الكعبة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَإذَا قِيلَ لَهُ اتّقِ اللّهَ أخَذَتْهُ العِزّةُ بالإْثمِ إلى قوله : وَاللّهُ رَءُوفٌ بالعِبادِ قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صلى السبحة وفرغ دخل مربدا له ، فأرسل إلى فتيان قد قرءوا القرآن ، منهم ابن عباس وابن أخي عيينة ، قال : فيأتون فيقرءون القرآن ويتدارسونه ، فإذا كانت القائلة انصرف . قال فمروا بهذه الآية : وَإذَا قِيلَ لَهُ اتّقِ اللّهَ أخَذِتْهُ العِزّةُ بالإثْمِ وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَءُوفٌ بالعِبادِ قال ابن زيد : وهؤلاء المجاهدون في سبيل الله . فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جنبه : اقتتل الرجلان . فسمع عمر ما قال ، فقال : وأيّ شيء قلت ؟ قال : لا شيء يا أمير المؤمنين . قال : ماذا قلت ؟ اقتتل الرجلان ؟ قال فلما رأى ذلك ابن عباس قال : أرى ههنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم ، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله ، فإذا لم يقبل وأخذته العزّة بالإثم ، قال هذا : وأنا أشتري نفسي فقاتله ، فاقتتل الرجلان . فقال عمر : لله تلادك يا ابن عباس .

وقال آخرون : بل عنى به الأخنس بن شريق ، وقد ذكرنا من قال ذلك فيما مضى .

وأما قوله : وَلَبِئْس المِهادُ فإنه يعني : ولبئس الفراش والوطاء : جهنم التي أوعد بها جل ثناؤه هذا المنافق ، ووطأها لنفسه بنفاقه وفجوره وتمرّده على ربه .