تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (206)

{ وإذا قيل له اتق اله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد }

المفردات :

أخذته العزة بالإثم : أي حملته الحمية على الإثم . كقولك أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه .

فحسبه جهنم : كفته جزاء .

المعنى الإجمالي :

وإذا نصحت له حينئذ بالخوف من الله ثارت في نفسه الحمية وظن ذلك هدما لعزته ، وحمله على ارتكاب الإثم فيما نهيته عنه لحاجة وعنادا . فحسبه على ذلك عذاب جهنم ولبئس المستقر .

التفسير :

رسمت الآية صورة لهذا المنافق فيما يأتي :

1 . حلاوة اللسان وفساد الباطن

2 . الحلف بالله كذبا ليروج سلوكه .

3 . الفجور في الخصومة ، افتراء التهم بالباطل .

4 . نشر الخراب والدمار والفساد بين الناس .

وفي هذه الآية بيان لصفة خامسة لهذا النوع من الناس ، فهو إذا فعل كلما سبق ثم قيل له : " لتق الله " تذكيرا له بخشية الله والحياء منه والتحرج من غضبه أنكر أن يقال له هذا القول ، واستكبر أنه يوجه إلى صواب . وأخذته العزة ، لا بالحق ولا بالعدل ولا بالخير ولكن " بالإثم " فالعز بالإجرام والذنب والخطيئة ورفع رأسه في وجه الحق الذي يذكر به ، وأمام الله بلا حياء منه ، وهو الذي كان يشهده على ما في قلبه ، ويتظاهر بالخير والبر والإخلاص والتجرد والاستحياء .

" إنما لمسة تكمل ملامح الصورة ، وتزيد في قسماتها وتمييزها بذاتها وتدع هذا النموذج حيا يترك . تقول في غير تردد : هذا هو . هذا هو الذي عناه القرآن ، وأنت تراه أمامك ماثلا في الأرض الآن وفي كل آن " ( 138 ) .

{ فحسبه جهنم ولبئس المهاد }

أي هي مصيره وكفاه عذابها على كبريائه وحميته الجاهلية .

ولبئس المهاد : المهاد فراش يأوي المرء إليه للراحة ، واللم واقعة في جواب قسم محذوف ، فالله تعالى يقسم تأكيدا للوعيد بأن الذي يرى عزته مانعة له الإذعان للأمر بتقوى الله سيكون مهاده ومأواه النار وهي بئس المهاد وشره ، ولا راحة فيها ولا اطمئنان لأهلها .

فقد وصفها القرآن بأنها تكاد تميز من الغيظ .

وهي لا تبقي ولا تذر ، لواحة للبشر .

وهي التي يكبكب فيها الغاوون وجنود إبليس أجمعون .

وهي التي وقودها الناس والحجارة .

وهي الحطمة التي تطلع على الأفئدة .

وهي التي تقول : هل من مزيد .

وهي التي يطعم أهلها الزقوم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم .

والتي يتمنا أهلها الموت فيقال لهم : إنكم ماكثون . لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون .

وقال بعض المفسرين : إنه عبر بالمهاد الذي هو مظنة الراحة للتهكم .

وقد اختلفوا في سبب نزول هذه الآيات ، فروى ابن أبى حاتم عن ابن عباس أنها نزلت في رجلين من المنافقين قالا : لما هلكت سرية للمسلمين ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا ، لا هم قعدوا في أهليهم ، ولا هم أدروا رسالة صاحبهم .

وروى ابن جرير عن السدى أنها نزلت في الأخنس بن شريق أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وأظهر له الإسلام فأعجبه ذلك منه ثم خرج فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر ، فأحرق الزرع وعقر الحمر ، فإن صحتا الروايتان فالظاهر أم من جعلها سببا حمل الآيات عليهما في الجملة ، وإلا فأنت ترى أن الآيات ليست مطابقة للحادثتين اللتين كانتا في وقتين مختلفين( 139 ) .

قال الإمام الرازي :

" واختيار أكثر المحققين من المفسرين أن هذه الآيات عامة في حق كل من كان موصوفا بهذه الصفات المذكورة ولا يمتنع أن تنزل الآية في الرجل ثم تكون عامة في كل مكان موصوفا بتلك الصفات ، ونزولها على السبب الذي حكيناه لا يمنع العموم والعمل على العموم أكثر فائدة ، وذلك لأنه يكون زجرا لكل المكلفين عن تلك الطريقة المذمومة " ( 140 ) .