فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (206)

{ وإذا قيل له } أي على سبيل النصيحة وهي مستأنفة أو معطوفة على يعجبك { اتق الله } أي خف الله في سرك وعلانيتك { أخذته العزة بالإثم } العزة الغلبة والقوة ، من عزه يعزه إذا غلبه ومنه { وعزني في الخطاب } وقيل العزة هنا الحمية والأنفة وقيل المنعة وشدة النفس .

والمعنى حملته العزة على فعل الإثم ، من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه ، قاله الزمخشري ، وقيل أخذته العزة بما يؤتمه أي ارتكب الكفر للعزة ، ومنه { بل الذين كفروا في عزة وشقاق } وقيل الباء في قوله بالإثم بمعنى اللام أي أخذته الحمية عن قبول الوعظ للإثم الذي في قلبه وهو النفاق وقيل الباء بمعنى مع أي أخذته العزة مع الإثم ، وقيل للسببية أي إن إثمه كان سببا لأخذ العزة له .

وفي هذه الآية التتميم وهو نوع من علم البديع وهو عبارة عن إرداف الكلمة بأخرى ترفع عنها اللبس وتقربها إلى الفهم ، وذلك أن العزة تكون محمودة ومذمومة فمن مجيئها محمودة قوله تعالى { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } فلو أطلقت لتوهم فيها بعض من لا دراية له أنها المحمودة فقيل { بالإثم } توضيحا للمراد فرفع اللبس به قاله السمين .

قال ابن مسعود : إن من أكبر الذنوب عند الله أن يقول الرجل لأخيه اتق الله فيقول عليك بنفسك أنت تأمرني ، وعن سفيان قال : قال رجل لمالك ابن مغول اتق الله فسقط فوضع خده على الأرض تواضعا لله .

{ فحسبه جهنم } أي كافيه معاقبة وجزاء كما تقول للرجال كفاك ما حل بك ، وأنت تستعظم عليه ما حل به وحسب اسم فاعل ، وقيل اسم فعل { ولبئس المهاد } جمع المهد وهو الموضع المهيأ للنوم ومنه مهد الصبي ، وقيل اسم مفرد سمى به الفراش الموطأ للنوم وسميت جهنم مهادا لأنها مستقر الكفار ، وقيل المعنى أنها بدل لهم من المهاد كقوله { فبشرهم بعذاب أليم } وقال مجاهد : بئسما مهدوا لأنفسهم ، وقال ابن عباس : بئس المنزل وهذا من باب التهكم والاستهزاء .