تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦٓ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا سَـَٔاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِهَابٖ قَبَسٖ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (7)

{ إِذْ قَالَ مُوسَى لأهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا } إلى آخر قصته ، يعني : اذكر هذه الحالة الفاضلة الشريفة من أحوال موسى بن عمران ، ابتداء الوحي إليه واصطفائه برسالته وتكليم الله إياه ، وذلك أنه لما مكث في مدين عدة سنين وسار بأهله من مدين متوجها إلى مصر ، فلما كان في أثناء الطريق ضل وكان في ليلة مظلمة باردة فقال لهم : { إِنِّي آنَسْتُ نَارًا } أي : أبصرت نارا من بعيد { سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ } عن الطريق ، { أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي : تستدفئون ، وهذا دليل على أنه تائه ومشتد برده هو وأهله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦٓ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا سَـَٔاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِهَابٖ قَبَسٖ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (7)

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم{[21960]} مذكرًا له ما كان من أمر موسى ، كيف اصطفاه الله وكلمه ، وناجاه وأعطاه من الآيات العظيمة الباهرة ، والأدلة القاهرة ، وابتعثه إلى فرعون وملئه ، فجحدوا بها وكفروا واستكبروا عن اتباعه والانقياد له ، فقال تعالى : { إِذْ قَالَ مُوسَى لأهْلِهِ } أي : اذكر حين سار موسى بأهله ، فأضل الطريق ، وذلك في ليل وظلام ، فآنس من جانب الطور نارًا ، أي : رأى نارًا تأجج{[21961]} وتضطرم ، فقال { لأهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ } أي : عن الطريق ، { أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي : تتدفؤون به . وكان كما قال ، فإنه رجع منها بخبر عظيم ، واقتبس منها نورًا عظيمًا ؛ ولهذا قال تعالى : { فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا }


[21960]:- في ف ، أ : "صلوات الله وسلامه عليه".
[21961]:- في ف ، أ : "تتأجج".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦٓ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا سَـَٔاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِهَابٖ قَبَسٖ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنّكَ لَتُلَقّى الْقُرْآنَ مِن لّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ * إِذْ قَالَ مُوسَىَ لأهْلِهِ إِنّيَ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لّعَلّكُمْ تَصْطَلِونَ * فَلَمّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وإنك يا محمد لتحفظ القرآن وتعلمه مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ يقول : من عند حكيم بتدبير خلقه ، عليم بأنباء خلقه ومصالحهم ، والكائن من أمورهم ، والماضي من أخبارهم ، والحادث منها . إذْ قال مُوسى وإذ من صلة عليم . ومعنى الكلام : عليم حين قال موسى لأَهْلِهِ وهو في مسيره من مدين إلى مصر ، وقد آذاهم بردُ ليلهم لما أصلد زَنْدُه : إنّي آنَسْتُ نارا : أي أبصرت نارا أو أحسستها ، فامكثوا مكانكم سآتِيكُمْ مِنْها بِخَبرٍ يعني من النار ، والهاء والألف من ذكر النار أوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة : «بِشِهابِ قَبَسٍ » بإضافة الشهاب إلى القبس ، وترك التنوين ، بمعنى : أو آتيكم بشعلةِ نارٍ أقتبسها منها . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة : بشِهابٍ قَبَسٍ بتنوين الشهاب وترك إضافته إلى القبس ، يعني : أو آتيكم بشهاب مقتبس .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان في قَرَأة الأمصار ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وكان بعض نحوييّ البصرة يقول : إذا جُعل القبس بدلاً من الشهاب ، فالتنوين في الشهاب ، وإن أضاف الشهاب إلى القبس ، لم ينوّن الشهاب . وقال بعض نحوييّ الكوفة : إذا أضيف الشهاب إلى القبس فهو بمنزلة قوله وَلَدَارُ الاَخِرَةِ مما يضاف إلى نفسه إذا اختلف اسماه ولفظاه توهما بالثاني أنه غير الأوّل . قال : ومثله حبة الخضراء ، وليلة القمراء ، ويوم الخميس وما أشبهه . وقال آخر منهم : إن كان الشهاب هو القبس لم تجز الإضافة ، لأن القبس نعت ، ولا يُضاف الاسم إلى نعته إلا في قليل من الكلام ، وقد جاء : وَلَدَارُ الاَخِرَةِ ووَللَدّارُ الاَخِرَةُ .

والصواب من القول في ذلك أن الشهاب إذا أريد به أنه غير القبس ، فالقراءة فيه بالإضافة ، لأن معنى الكلام حينئذ ، ما بينا من أنه شعلة قبس ، كما قال الشاعر :

في كَفّه صَعْدَةٌ مُشَقّفَةٌ *** فِيها سِنانٌ كشُعْلَةِ القَبَسِ

وإذا أريد بالشهاب أنه هو القبس ، أو أنه نعت له ، فالصواب في الشهاب التنوين ، لأن الصحيح في كلام العرب ترك إضافة الاسم إلى نعته ، وإلى نفسه ، بل الإضافات في كلامها المعروف إضافة الشيء إلى غير نفسه وغير نعته .

وقوله : لَعَلّكُمْ تَصْطَلُونَ يقول : كي تصطلوا بها من البرد .