تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

{ 95 - 98 } { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }

يخبر تعالى عن كماله ، وعظمة سلطانه ، وقوة اقتداره ، وسعة رحمته ، وعموم كرمه ، وشدة عنايته بخلقه ، فقال : { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ } شامل لسائر الحبوب ، التى يباشر الناس زرعها ، والتي لا يباشرونها ، كالحبوب التي يبثها الله في البراري والقفار ، فيفلق الحبوب عن الزروع والنوابت ، على اختلاف أنواعها ، وأشكالها ، ومنافعها ، ويفلق النوى عن الأشجار ، من النخيل والفواكه ، وغير ذلك . فينتفع الخلق ، من الآدميين والأنعام ، والدواب . ويرتعون فيما فلق الله من الحب والنوى ، ويقتاتون ، وينتفعون بجميع أنواع المنافع التي جعلها الله في ذلك . ويريهم الله من بره وإحسانه ما يبهر العقول ، ويذهل الفحول ، ويريهم من بدائع صنعته ، وكمال حكمته ، ما به يعرفونه ويوحدونه ، ويعلمون أنه هو الحق ، وأن عبادة ما سواه باطلة .

{ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } كما يخرج من المني حيوانا ، ومن البيضة فرخا ، ومن الحب والنوى زرعا وشجرا .

{ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ } وهو الذي لا نمو فيه ، أو لا روح { مِنَ الْحَيِّ } كما يخرج من الأشجار والزروع النوى والحب ، ويخرج من الطائر بيضا ونحو ذلك .

{ ذَلِكُمْ } الذي فعل ما فعل ، وانفرد بخلق هذه الأشياء وتدبيرها { اللَّهُ } رَبُّكُمْ أي : الذي له الألوهية والعبادة على خلقه أجمعين ، وهو الذي ربى جميع العالمين بنعمه ، وغذاهم بكرمه . { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } أي : فأنى تصرفون ، وتصدون عن عبادة من هذا شأنه ، إلى عبادة من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ، ولا حياة ، ولا نشورا ؟ "

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

يخبر تعالى أنه فالق الحب والنوى ، أي : يشقه في الثرى فتنبت الزروع على اختلاف أصنافها من الحبوب ، والثمار على اختلاف أشكالها وألوانها وطعومها من النوى ؛ ولهذا فسر [ قوله ]{[10977]} { فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى } بقوله { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } أي : يخرج النبات الحي من الحب والنوى ، الذي هو كالجماد الميت ، كما قال : { وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ [ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ ]{[10978]} وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ } [ يس : 33 - 36 ] .

وقوله : { وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ } معطوف على { فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى } ثم فسره ثم عطف عليه قوله : { وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ }

وقد عبروا عن هذا [ وهذا ]{[10979]} بعبارات كلها متقاربة مؤدية للمعنى ، فمن قائل : يخرج الدجاجة من البيضة ، والبيضة من الدجاجة ، من قائل : يخرج الولد الصالح من الكافر ، والكافر من الصالح ، وغير ذلك من العبارات التي تنتظمها الآية وتشملها .

ثم قال : { ذَلِكُمُ اللَّهُ } أي : فاعل هذه الأشياء هو الله وحده لا شريك له { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } أي : فكيف تصرفون من الحق وتعدلون عنه إلى الباطل فتعبدون مع الله غيره .


[10977]:زيادة من م.
[10978]:زيادة من أ، وفي هـ: "إلى قوله".
[10979]:زيادة من م، أ.