{ إِنْ كَانَتْ } أي : كانت عقوبتهم { إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً } أي : صوتا واحدا ، تكلم به بعض ملائكة اللّه ، { فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } : قد تقطعت قلوبهم في أجوافهم ، وانزعجوا لتلك الصيحة ، فأصبحوا خامدين ، لا صوت ولا حركة ، ولا حياة بعد ذلك العتو والاستكبار ، ومقابلة أشرف الخلق بذلك الكلام القبيح ، وتجبرهم عليهم .
" إن كانت إلا صيحة واحدة " : قراءة العامة " واحدة " بالنصب على تقدير ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج : " صيحة " بالرفع هنا ، وفي قوله : " إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع " :جعلوا الكون بمعنى الوقوع والحدوث ، فكأنه قال : ما وقعت عليهم إلا صيحة واحدة . وأنكر هذه القراءة أبو حاتم وكثير من النحويين بسبب التأنيث فهو ضعيف ، كما تكون ما قامت إلا هند ضعيفا ، من حيث كان المعنى ما قام أحد إلا هند . قال أبو حاتم : فلو كان كما قرأ أبو جعفر لقال : إن كان إلا صيحة . قال النحاس : لا يمتنع شيء من هذا ، يقال : ما جاءتني إلا جاريتك ، بمعنى ما جاءتني امرأة أو جارية إلا جاريتك . والتقدير في القراءة بالرفع ما قاله أبو إسحاق ، قال : المعنى إن كانت عليهم صيحة إلا صيحة واحدة ، وقدره غيره : ما وقع عليهم إلا صيحة واحدة . وكان بمعنى وقع كثير في كلام العرب . وقرأ عبد الرحمن بن الأسود - ويقال إنه في حرف عبد الله كذلك - " إن كانت إلا زقية واحدة " . وهذا مخالف للمصحف . وأيضا فإن اللغة المعروفة زقا يزقو إذا صاح ، ومنه المثل : أثقل من الزواقي ، فكان يجب على هذا أن يكون زقوة ، ذكره النحاس .
قلت : وقال الجوهري : الزقو والزقي مصدر ، وقد زقا الصدى يزقو زقاء أي : صاح ، وكل صائح زاق ، والزقية الصيحة .
قلت : وعلى هذا يقال : زقوة وزقية لغتان ، فالقراءة صحيحة لا اعتراض عليها والله أعلم . " فإذا هم خامدون " أي :ميتون هامدون ؛ تشبيها بالرماد الخامد . وقال قتادة : هلكى ، والمعنى واحد .
{ إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } أي : صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة واحدة فأخذهم الله بها أخذا شديدا ، { فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } من الخمود . كنّى به عن سكوتهم بعد حياتهم ، كالنار تخمد بعد توقدها . كذلك يأخذ الله الظالمين المجرمين الذين يحادون الله ورسوله ، ويتمالئون على الإسلام لاجتثاثه من الأذهان والقلوب ، أو يأتمرون بالمسلمين ليبيدوهم إبادة أو يقتّلوهم تقتيلا . وليس الله بغافل عن أفاعيل الظالمين المجرمين ظ ، ولكنه يُملي لهم ويمدُّ لهم من وجوه الخير والمنعة والسلطان والملذات ما يتنعّمون به ، ويتيهون خيلاء وغرورا ، حتى إذا حان القدر ، وحق عليهم القول بالعذاب أخذهم الله شر أخده ، كما فعل بأهل أنطاكية . وفي ذلك تخويف لمشركي قريش وتلويح لهم بالانتقام والعقاب الأليم ، إنْ لم يبادروا بالإيمان والطاعة والتحرر من إسار الوثنية والضلال . {[3896]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.