تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ} (25)

{ 25 } { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ }

أي : وقضينا لهؤلاء الظالمين الجاحدين للحق { قُرَنَاءَ } من الشياطين ، كما قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا } أي تزعجهم إلى المعاصي وتحثهم عليها ، بسبب ما زينوا { لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } فالدنيا زخرفوها بأعينهم ، ودعوهم إلى لذاتها وشهواتها المحرمة حتى افتتنوا ، فأقدموا على معاصي اللّه ، وسلكوا ما شاءوا من محاربة اللّه ورسله والآخرة بَعّدُوها عليهم وأنسوهم ذكرها ، وربما أوقعوا عليهم الشُّبه ، بعدم وقوعها ، فترحَّل خوفها من قلوبهم ، فقادوهم إلى الكفر ، والبدع ، والمعاصي .

وهذا التسليط والتقييض من اللّه للمكذبين الشياطين ، بسبب إعراضهم عن ذكر اللّه وآياته ، وجحودهم الحق كما قال تعالى : { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ }

{ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ } أي : وجب عليهم ، ونزل القضاء والقدر بعذابهم { فِي } جملة { أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } لأديانهم وآخرتهم ، ومن خسر ، فلا بد أن يذل ويشقى ويعذب .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ} (25)

قوله تعالى : " وقيضنا لهم قرناء " قال النقاش : أي هيأنا لهم شياطين . وقيل : سلطنا عليهم قرناء يزينون عندهم المعاصي ، وهؤلاء القرناء من الجن والشياطين ومن الإنس أيضا ، أي سببنا لهم قرناء ، يقال : قيض الله فلانا لفلان أي جاءه به وأتاحه له ، ومنه قوله تعالى : " وقيضنا لهم قرناء " . القشيري : ويقال قيض الله لي رزقا أي أتاحه كما كنت أطلبه ، والتقييض الإبدال ومنه المقايضة ، قايضت الرجل مقايضة أي عاوضته بمتاع ، وهما : قَيِّضَان كما تقول بَيِّعَان . " فزينوا لهم ما بين أيديهم " من أمر الدنيا فحسنوه لهم حتى آثروه على الآخرة " وما خلفهم " حسنوا لهم ما بعد مماتهم ودعوهم إلى التكذيب بأمور الآخرة ، عن مجاهد . وقيل : المعنى " قيضنا لهم قرناء " في النار " فزينوا لهم " أعمالهم في الدنيا ، والمعنى قدرنا عليهم أن ذلك سيكون وحكمنا به عليهم . وقيل : المعنى أحوجناهم إلى الأقران ، أي أحوجنا الفقير إلى الغني لينال منه ، والغني إلى الفقير ليستعين به فزين بعضهم لبعض المعاصي . وليس قوله : " وما خلفهم " عطفا على " ما بين أيديهم " بل المعنى وأنسوهم ما خلفهم ففيه هذا الإضمار . قال ابن عباس : " ما بين أيديهم " تكذيبهم بأمور الآخرة " وما خلفهم " التسويف والترغيب في الدنيا . الزجاج : " ما بين أيديهم " ما عملوه " وما خلفهم " ما عزموا على أن يعملوه . وقد تقدم قول مجاهد . وقيل : المعنى لهم مثل ما تقدم من المعاصي " وما خلفهم " ما يعمل بعدهم . " وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس " أي وجب عليهم من العذاب ما وجب على الأمم الذين من قبلهم الذين كفروا ككفرهم . وقيل : " في " بمعنى مع ، فالمعنى هم داخلون مع الأمم الكافرة قبلهم فيما دخلوا فيه . وقيل : " في أمم " في جملة أمم ، ومثله قول الشاعر{[13435]} :

إن تكُ عن أحسنِ الصنيعةِ مَأْ *** فُوكًا ففِي آخرين قد أَفكوا

يريد فأنت في جملة آخرين لست في ذلك بأوحد . ومحل " في أمم " النصب على الحال من الضمير في " عليهم " أي حق عليهم القول كائنين في جملة أمم . " إنهم كانوا خاسرين " أعمالهم في الدنيا وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة .


[13435]:هو عمرو بن أذينة.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{۞وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ} (25)

{ وقيضنا لهم قرناء } أي : يسرنا لهم قرناء سوء من الشياطين وغواة الإنس .

{ فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم } ما بين أيديهم ما تقدم من أعمالهم ، وما خلفهم ما هم عازمون عليه أو ما بين أيديهم من أمر الدنيا وما خلفهم من أمر الآخرة ، والتكذيب بها .

{ وحق عليهم القول } أي : سبق عليهم القضاء بعذابهم .

{ في أمم } أي : في جملة أمم ، وقيل : في بمعنى مع .