{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا } أي : سهلا لطيفا ، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف ، ولا غلظة في المقال ، أو فظاظة في الأفعال ، { لَعَلَّهُ } بسبب القول اللين { يَتَذَكَّرُ } ما ينفعه فيأتيه ، { أَوْ يَخْشَى } ما يضره فيتركه ، فإن القول اللين داع لذلك ، والقول الغليظ منفر عن صاحبه ، وقد فسر القول اللين في قوله : { فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى } فإن في هذا الكلام ، من لطف القول وسهولته ، وعدم بشاعته ما لا يخفى على المتأمل ، فإنه أتى ب " هل " الدالة على العرض والمشاورة ، التي لا يشمئز منها أحد ، ودعاه إلى التزكي والتطهر من الأدناس ، التي أصلها ، التطهر من الشرك ، الذي يقبله كل عقل سليم ، ولم يقل " أزكيك " بل قال : " تزكى " أنت بنفسك ، ثم دعاه إلى سبيل ربه ، الذي رباه ، وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة ، التي ينبغي مقابلتها بشكرها ، وذكرها فقال : { وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى } فلما لم يقبل هذا الكلام اللين الذي يأخذ حسنه بالقلوب ، علم أنه لا ينجع فيه تذكير ، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر .
( فقولا له قولا لينا )فالقول اللين لا يثير العزة بالإثم ؛ ولا يهيج الكبرياء الزائف الذي يعيش به الطغاة . ومن شأنه أن يوقظ القلب فيتذكر ويخشى عاقبة الطغيان .
اذهبا إليه غير يائسين من هدايته ، راجيين أن يتذكر ويخشى . فالداعية الذي ييأس من اهتداء أحد بدعوته لا يبلغها بحرارة ، ولا يثبت عليها في وجه الجحود والإنكار .
وإن الله ليعلم ما يكون من فرعون . ولكن الأخذ بالأسباب في الدعوات وغيرها لا بد منه . والله يحاسب الناس على ما يقع منهم بعد أن يقع في عالمهم . وهو عالم بأنه سيكون . فعلمه تعالى بمستقبل الحوادث كعلمه بالحاضر منها والماضي في درجة سواء .
القول الليّنُ : الكلام الدال على معاني الترغيب والعرض واستدعاء الامتثال ، بأن يظهر المتكلّم للمخاطب أنّ له من سداد الرأي ما يتقبّل به الحق ويميّز به بين الحق والباطل مع تجنب أن يشتمل الكلام على تسفيه رأي المخاطب أو تجهيله .
فشبه الكلام المشتمل على المعاني الحسنة بالشيء الليّنِ .
واللين ، حقيقة من صفات الأجسام ، وهو : رطوبة ملمس الجسم وسهولة ليّه ، وضد الليّن الخشونة . ويستعار الليّن لسهولة المعاملة والصفح . وقال عمرو بن كلثوم :
فإن قناتنا يا عَمْرو أعيَت *** على الأعداءِ قبلَكَ أن تلينا
واللين من شعار الدعوة إلى الحق ، قال تعالى : { وجادلهم بالتي هي أحسن } [ النحل : 125 ] وقال : { فبما رحمة من الله لِنتَ لهم } [ آل عمران : 159 ] . ومن اللين في دعوة موسى لفرعون قوله تعالى : { فقل هل لك إلى أن تَزّكّى وأهديَك إلى ربك فتخشى } [ النازعات : 18 ، 19 ] وقوله : { والسلام على من اتبّع الهدى } [ الكهف : 47 ] ، إذ المقصود من دعوة الرسل حصول الاهتداء لا إظهار العظمة وغلظة القول بدون جدوى .
فإذا لم ينفع اللين مع المدعوّ وأعرض واستكبر جاز في موعظته الإغلاظ معه ، قال تعالى : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم } [ العنكبوت : 46 ] ، وقال تعالى عن موسى : { إنّا قد أوحي إلينا أن العَذاب على من كذّب وتولّى } [ طه : 48 ] .
والتّرجي المستفاد من ( لعلّ ) إما تمثيل لشأن الله في دعوة فرعون بشأن الراجي ، وإما أن يكون إعلاماً لموسى وفرعون بأن يرجوَا ذلك ، فكان النطق بحرف الترجي على لسانهما ، كما تقول للشخص إذا أشرت عليه بشيء : فلعلّه يصادفك تيْسير ، وأنت لا تريد أنّك ترجو ذلك ولكن بطلب رجاء من المخاطب . وقد تقدمت نظائره في القرآن غير مرّة .
والتذكّر : من الذُّكر بضم الذال أي النظر ، أي لعلّه ينظر نظر المتبصّر فيعرف الحق أو يخشى حلولَ العقاب به فيُطيع عن خشية لا عن تبصر . وكان فرعون من أهل الطغيان واعتقاد أنه على الحق ، فالتذكر : أن يعرف أنه على الباطل ، والخشيةُ : أن يتردد في ذلك فيخشى أن يكون على الباطل فيحتاط لنفسه بالأخذ بما دعاه إليه موسى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.