تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (26)

{ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } أي : كل خبيث من الرجال والنساء ، والكلمات والأفعال ، مناسب للخبيث ، وموافق له ، ومقترن به ، ومشاكل له ، وكل طيب من الرجال والنساء ، والكلمات والأفعال ، مناسب للطيب ، وموافق له ، ومقترن به ، ومشاكل له ، فهذه كلمة عامة وحصر ، لا يخرج منه شيء ، من أعظم مفرداته ، أن الأنبياء -خصوصا أولي العزم منهم ، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء ، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو المقصود بهذا الإفك ، من قصد المنافقين ، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم ، يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح .

فكيف وهي هي ؟ " صديقة النساء وأفضلهن وأعلمهن وأطيبهن ، حبيبة رسول رب العالمين ، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها ، ثم صرح بذلك ، بحيث لا يبقى لمبطل مقالا ، ولا لشك وشبهة مجالا ، فقال : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا ، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ } تستغرق الذنوب { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } في الجنة صادر من الرب الكريم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (26)

ويختم الحديث عن حادث الإفك ببيان عدل الله في اختياره الذي ركبه في الفطرة ، وحققه في واقع الناس . وهو أن تلتئم النفس الخبيثة بالنفس الخبيثة ، وأن تمتزج النفس الطيبة بالنفس الطيبة . وعلى هذا تقوم العلاقات بين الأزواج . وما كان يمكن أن تكون عائشة - رضي الله عنها - كما رموها ، وهي مقسومة لأطيب نفس على ظهر هذه الأرض :

الخبيثات للخبيثين ، والخبيثون للخبيثات . والطيبات للطيبين ، والطيبون للطيبات . أولئك مبرأون مما يقولون ، لهم مغفرة ورزق كريم . .

ولقد أحبت نفس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عائشة حبا عظيما . فما كان يمكن أن يحببها الله لنبيه المعصوم ، إن لم تكن طاهرة تستحق هذا الحب العظيم .

أولئك الطيبون والطيبات ( مبرأون مما يقولون )بفطرتهم وطبيعتهم ، لا يلتبس بهم شيء مما قيل .

( لهم مغفرة ورزق كريم ) . . مغفرة عما يقع منهم من أخطاء . ورزق كريم . دلالة على كرامتهم عند ربهم الكريم .

بذلك ينتهي حديث الإفك . ذلك الحادث الذي تعرضت فيه الجماعة المسلمة لأكبر محنة . إذ كانت محنة الثقة في طهارة بيت الرسول ، وفي عصمة الله لنبيه أن يجعل في بيته إلا العنصر الطاهر الكريم . وقد جعلها الله معرضا لتربية الجماعة المسلمة ، حتى تشف وترف ؛ وترتفع إلى آفاق النور . . في سورة النور . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (26)

{ الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } أي الخبائث يتزوجن الخباث وبالعكس وكذلك أهل الطيب فيكون كالدليل على قوله : { أولئك } يعني أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أو الرسول وعائشة وصفوان رضي الله تعالى عنهم . { مبرؤون مما يقولون } إذ لو صدق لم تكن زوجته عليه السلام ولم يقرر عليها . وقيل { الخبيثات } { والطيبات } من الأقوال والإشارة إلى { الطيبين } والضمير في { يقولون } للآفكين ، أي مبرؤون مما يقولون فيهم أو { للخبيثين } و { الخبيثات } أي مبرؤون من أن يقولوا مثل قولهم . { لهم مغفرة ورزق كريم } يعني الجنة ، ولقد برأ الله أربعة بأربعة : برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهلها ، وموسى عليه الصلاة والسلام من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه ، ومريم بإنطاق ولدها ، وعائشة رضي الله تعالى عنها بهذه الآيات الكريمة مع هذه المبالغة ، وما ذلك إلا لإظهار منصب الرسول صلى الله عليه وسلم وإعلاه منزلته .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (26)

بعد أن برأ الله عائشة رضي الله عنها مما قال عصبة الإفك ففضحهم بأنهم ما جاؤا إلا بسيء الظن واختلاق القذف وتوعدهم وهددهم ثم تاب على الذين تابوا أنحى عليهم ثانية ببراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن تكون له أزواج خبيثات لأن عصمته وكرامته على الله يأبى الله معها أن تكون أزواجه غير طيبات . فمكانة الرسول صلى الله عليه وسلم كافية في الدلالة على براءة زوجه وطهارة أزواجه كلهن . وهذا من الاستدلال على حال الشيء بحال مقارنه ومماثله . وفي هذا تعريض بالذين اختلقوا الإفك بأن ما أفكوه لا يليق مثله إلا بأزواجهم ، فقوله : { الخبيثات للخبيثين } تعريض بالمنافقين المختلقين للإفك .

والابتداء بذكر { الخبيثات } لأن غرض الكلام الاستدلال على براءة عائشة وبقية أمهات المؤمنين . واللام في قوله : { للخبيثين } لام الاستحقاق . والخبيثات والخبيثون والطيبات والطيبون أوصاف جرت على موصوفات محذوفة يدل عليها السياق . والتقدير في الجميع : الأزواج .

وعطف { والخبيثون للخبيثات } إطناب لمزيد العناية بتقرير هذا الحكم ولتكون الجملة بمنزلة المثل مستقلة بدلالتها على الحكم وليكون الاستدلال على حال القرين بحال مقارنه حاصلاً من أي جانب ابتدأه السامع .

وذكر { والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } إطناب أيضاً للدلالة على أن المقارنة دليل على حال القرينين في الخير أيضاً .

وعطف { والطيبون للطيبات } كعطف { والخبيثون للخبيثات } .

وتقدم الكلام على الخبيث والطيب عند قوله تعالى : { ليميز الله الخبيث من الطيب } في سورة الأنفال ( 37 ) وقوله : { قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } في سورة آل عمران ( 38 ) وقوله : { ويحرّم عليهم الخبائث } في سورة الأعراف ( 157 ) .

وغلب ضمير التذكير في قوله : { مبرءون } وهذه قضية كلية ولذلك حق لها أن تجري مجرى المثل وجعلت في آخر القصة كالتذييل .

والمراد بالخبث : خبث الصفات الإنسانية كالفواحش . وكذلك المراد بالطيب : زكاء الصفات الإنسانية من الفضائل المعروفة في البشر فليس الكفر من الخبث ولكنه من متمماته . وكذلك الإيمان من مكملات الطيب فلذلك لم يكن كفر امرأة نوح وامرأة لوط ناقضاً لعموم قوله : { الخبيثات للخبيثين } فإن المراد بقوله تعالى : { كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما } [ التحريم : 10 ] أنهما خانتا زوجيهما بإبطان الكفر . ويدل لذلك مقابلة حالهما بحال امرأة فرعون { إذ قالت رب ابْننِ لي عندك بيتاً في الجنة } إلى قوله : { ونجني من القوم الظالمين } [ التحريم : 11 ] .

والعدول عن التعبير عن الإفك باسمه إلى { ما يقولون } إلى أنه لا يعدو كونه قولاً ، أي أنه غير مطابق للواقع كقوله تعالى : { ونرثه ما يقول } [ مريم : 80 ] لأنه لا مال له ولا ولد في الآخرة .

والرزق الكريم : نعيم الجنة . وتقدم أن الكريم هو النفيس في جنسه عند قوله : { درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } في سورة الأنفال ( 4 ) .

وبهذه الآيات انتهت زواجر قصة الإفك .