{ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ } أي : بعد السبع الشداد { عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } أي : فيه تكثر الأمطار والسيول ، وتكثر الغلات ، وتزيد على أقواتهم ، حتى إنهم يعصرون العنب ونحوه زيادة على أكلهم ، ولعل استدلاله على وجود هذا العام الخصب ، مع أنه غير مصرح به في رؤيا الملك ، لأنه فهم من التقدير{[444]} بالسبع الشداد ، أن العام الذي يليها يزول به شدتها ، . ومن المعلوم أنه لا يزول الجدب المستمر سبع سنين متواليات ، إلا بعام مخصب جدا ، وإلا لما كان للتقدير فائدة ، فلما رجع الرسول إلى الملك والناس ، وأخبرهم بتأويل يوسف للرؤيا ، عجبوا من ذلك ، وفرحوا بها أشد الفرح .
( ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) . .
أي ثم تنقضي هذه السنوات الشداد العجاف المجدبة ، التي تأتي على ما خزنتم وادخرتم من سنوات الخصب . تنقضي ويعقبها عام رخاء ، يغاث الناس فيه بالزرع والماء ، وتنمو كرومهم فيعصرونها خمرا ، وسمسمهم وخسهم وزيتونهم فيعصرونه زيتا . .
وهنا نلحظ أن هذا العام الرخاء لا يقابله رمز في رؤيا الملك ؛ فهو إذن من العلم اللدني الذي علمه الله يوسف . فبشر به الساقي ليبشر الملك والناس ، بالخلاص من الجدب والجوع بعام رخي رغيد .
{ ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس } يمطرون من الغيث أو يغاثون من القحط من الغوث . { وفيه يعصرون } ما يعصر كالعنب والزيتون لكثرة الثمار . وقيل يحلبون الضروع . وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على تغليب المستفتي ، وقرئ على بناء المفعول من عصره إذا أنجاه ويحتمل أن يكون المبني للفاعل منه أي يغيثهم الله ويغيث بعضهم بعضا ، أو من أعصرت السحابة عليهم فعدي بنزع الخافض أو بتضمينه معنى المطر . وهذه بشارة بشرهم بها بعد أن أول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ، وابتلاع العجاف السمان بأكل ما جمع في السنين المخصبة في السنين المجدبة ، ولعله علم ذلك بالوحي أو بأن انتهاء الجدب بالخصب ، أو بأن السنة الإلهية على أن يوسع على عباده بعدما ضيق عليهم .
وقوله : { يغاث } جائز أن يكون من الغيث ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وجمهور المفسرين ، أي يمطرون ، وجائز أن يكون من أغاثهم الله ، أذا فرج عنهم ، ومنه الغوث وهو الفرج .
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم «يَعصِرون » بفتح الياء وكسر الصاد ، وقرأ حمزة والكسائي ذلك بالتاء على المخاطبة ، وقال جمهور المفسرين : هي من عصر النباتات كالزيتون والعنب والقصب والسمسم والفجل وجميع ما يعصر ، ومصر بلد عصر لأشياء كثيرة ؛ وروي أنهم لم يعصروا شيئاً مدة الجدب ، والحلب منه لأنه عصر للضروع . وقال أبو عبيدة وغيره : ذلك مأخوذ من العصرة والعصر{[6718]} وهو الملجأ ومنه قول أبي زبيد في عثمان رضي الله عنه : [ الخفيف ]
صادياً يستغيث غير مغاث*** ولقد كان عصرة المنجود{[6719]}
ومنه قول عدي بن زيد : [ الرمل ]
لو بغير الماء حلقي شرق*** كنت كالغصّان بالماء اعتصاري{[6720]}
وصاحبي وهوه مستوهل زعل*** يحول بين حمار الوحش والعصر{[6721]}
فبات وأسرى القوم آخر ليلهم*** وما كان وقافاً بغير معصر{[6722]}
أي بغير ملتجأ ، فالآية على معنى ينجون بالعصرة .
وقرأ الأعرج وعيسى وجعفر بن محمد » يُعصَرون «بضم الياء وفتح الصاد ، وهذا مأخوذ من العصرة ، أي يؤتون بعصرة ؛ ويحتمل أن يكون من عصرات السحاب ماءها عليهم ، قال ابن المستنير : معناها يمطرون ، وحكى النقاش أنه قرىء » يعصرون «وجعلها من عصر البلل ونحوه . ورد الطبري على من جعل اللفظة من العصرة رداً كثيراً بغير حجة{[6723]} .
أما قوله : { ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس } فهو بشارة وإدخال المسرة والأمل بعد الكلام المؤيس ، وهو من لازم انتهاء مدة الشدة ، ومن سنن الله تعالى في حصول اليسر بعد العسر .
و { يغاث } معناه يعطون الغيث ، وهو المطر . والعصر : عصر الأعناب خموراً . وتقدم آنفاً في قوله : { أعصر خمراً } [ سورة يوسف : 36 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.