نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ} (49)

ثم زادهم على ذلك قوله : { ثم يأتي } وعبر بالجار لمثل ما مضى فقال : { من بعد ذلك } أي الجدب{[41647]} العظيم { عام } وهو اثنا{[41648]} عشر شهراً ، ونظيره الحول والسنة ، وهو مأخوذ من العوم - لما لأهله فيه{[41649]} من السبح الطويل - قاله الرماني . والتعبير به دون مرادفاته إشارة إلى أنه يكون فيه - من السعة بعموم الريّ{[41650]} وظهور الخصب وغزير البركة - أمر عظيم ، ولذا{[41651]} اتبعه بقوله : { فيه } .

ولما كان المتشوف{[41652]} إليه الإغاثة ، على أنه من المعلوم أنه لا يقدر عليها إلا الله ، قال بانياً للمفعول : { يغاث الناس } من الغيث وهو المطر ، أو من الغوث وهو الفرج{[41653]} ، ففي الأول يجوز بناءه من ثلاثي ومن رباعي ، {[41654]} يقال غاث الله الأرض وأغاثها : أمطرها{[41655]} ، وفي الثاني هو من رباعي خاصة ، يقال : استغاث به فأغاثه ، من الغوث وهو واوي ، ومعناه النفع الذي يأتي على شدة حاجته{[41656]} بنفي المضرة ، والغيث يائي وهو المطر الذي يأتي في وقت الحاجة { وفيه } أي ذلك العام الحسن .

ولما كان العصر{[41657]} للأدهان وغيرها لا يكون إلا عن فضله ، قال : { يعصرون * } أي يخرجون عصارات الأشياء وخلاصاتها{[41658]} ، وكأنه أخذ من انتهاء القحط ابتداء الخصب الذي دل عليه العصر في رؤيا السائل ، والخضرة والسمن في رؤيا الملك{[41659]} فإنه ضد القحط ، وكل ضدين انتهاء أحدهما ابتداء الآخر لا محالة ، فجاء الرسول فأخبر الملك بذلك ، فأعجبه ووقع في نفسه صدقه


[41647]:من م ومد، وفي الأصل: الجرب، و في ظ: الجذب.
[41648]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: اثني.
[41649]:زيد من م.
[41650]:في ظ: الرأي.
[41651]:في مد: كذا.
[41652]:في الأصول: المتسوف- كذا بالمهملة.
[41653]:من م ومد، وفي الأصل: الفرح، وفي ظ: القذح- كذا.
[41654]:العبارة من هنا إلى " هو من رباعي" ساقطة من مد.
[41655]:في ظ: مطرها.
[41656]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: حاجة.
[41657]:من م ومد، وفي الأصل: المعصر، وفي ظ: الحصر.
[41658]:في ظ: خلاصتها.
[41659]:زيد بعده في الأصل و ظ: بذلك، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.