تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ وَقُرۡءَانٖ مُّبِينٖ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الحجر وهي مكية

{ 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ * مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ }

يقول تعالى معظما لكتابه مادحا له { تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ } أي : الآيات الدالة على أحسن المعاني وأفضل المطالب ، { وَقُرْآنٍ مُبِينٍ } للحقائق بأحسن لفظ وأوضحه وأدله على المقصود ، وهذا مما يوجب على الخلق الانقياد إليه ، والتسليم لحكمه وتلقيه بالقبول والفرح والسرور .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ وَقُرۡءَانٖ مُّبِينٖ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحجر مكية وآياتها تسع وتسعون

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه السورة مكية بجملتها ، نزلت بعد سورة يوسف ، في الفترة الحرجة ، ما بين " عام الحزن " وعام الهجرة . . تلك الفترة التي تحدثنا عن طبيعتها وملابساتها ومعالمها من قبل في تقديم سورة يونس وفي تقديم سورة هود وفي تقديم سورة يوسف بما فيه الكفاية . .

وهذه السورة عليها طابع هذه الفترة ، وحاجاتها ومقتضياتها الحركية . . إنها تواجه واقع تلك الفترة مواجهة حركية ؛ وتوجه الرسول [ ص ] والجماعة المسلمة معه ، توجيها واقعيا مباشرا وتجاهد المكذبين جهادا كبيرا . كما هي طبيعة هذا القرآن ووظيفته .

ولما كانت حركة الدعوة في تلك الفترة تكاد تكون قد تجمدت ، بسبب موقف قريش العنيد منها ومن النبي [ ص ] والعصبة المؤمنة معه ؛ حيث اجترأت قريش على رسول الله [ ص ] بما لم تكن تجترئ عليه في حياة أبي طالب . واشتد استهزاؤها بدعوته ؛ كما اشتد إيذاؤها لصحابته . . فقد جاء القرآن الكريم في هذه الفترة يهدد المشركين المكذبين ويتوعدهم ؛ ويعرض عليهم مصارع المكذبين الغابرين ومصائرهم ؛ ويكشف للرسول [ ص ] عن علة تكذيبهم وعنادهم ؛ وهي لا تتعلق به ولا بالحق الذي معه ، لكنها ترجع إلى العناد الذي لا تجدي معه الآيات البينات . ومن ثم يسلي الرسول [ ص ] ويواسيه ؛ ويوجهه إلى الإصرار على الحق الذي معه ؛ والصدع به بقوة في مواجهة الشرك وأهله ؛ والصبر بعد ذلك على بطء الاستجابة ووحشة العزلة ، وطول الطريق !

ومن هنا تلتقي هذه السورة في وجهتها وفي موضوعها وفي ملامحها مع بقية السور التي نزلت في تلك الفترة ؛ وتواجه مثلها مقتضيات تلك الفترة وحاجاتها الحركية . أي الحاجات والمقتضيات الناشئة من حركة الجماعة المسلمة بعقيدتها الإسلامية في مواجهة الجاهلية العربية في تلك الفترة من الزمان بكل ملابساتها الواقعية . ومن ثم تواجه حاجات الحركة الإسلامية ومقتضياتها كلما تكررت هذه الفترة ، وذلك كالذي تواجهه الحركة الإسلامية الآن في هذا الزمان .

ونحن نؤكد على هذه السمة في هذا القرآن . . سمة الواقعية الحركية . . لأنها في نظرنا مفتاح التعامل مع هذا الكتاب وفهمه وفقهه وإدراك مراميه وأهدافه . .

إنه لا بد من استصحاب الأحوال والملابسات والظروف والحاجات والمقتضيات الواقعية العملية التي صاحبتنزول النص القرآني . . لا بد من هذا لإدراك وجهة النص وأبعاد مدلولاته ؛ ولرؤية حيويته وهو يعمل في وسط حي ؛ ويواجه حالة واقعة ؛ كما يواجه أحياء يتحركون معه أو ضده . وهذه الرؤية ضرورية لفقه أحكامه وتذوقها ؛ كما هي ضرورية للانتفاع بتوجيهاته كلما تكررت تلك الظروف والملابسات في فترة تاريخية تالية ، وعلى الأخص فيما يواجهنا اليوم ونحن نستأنف الدعوة الإسلامية .

نقول هذه المقالة ونحن على يقين أنه لن يرى هذه الرؤية اليوم إلا الذين يتحركون فعلا بهذا الدين في مواجهة الجاهلية الحاضرة ؛ ومن ثم يواجهون أحوالا وملابسات وظروفا وأحداثا كالتي كان يواجهها صاحب الدعوة الأولى - صلوات الله وسلامه عليه - والعصبة المسلمة معه . . من الإعراض والتولي عن هذا الدين في حقيقته الكبيرة الشاملة ؛ التي لا تتحقق إلا بالدينونة الكاملة لله وحده في كل شأن من شؤون الحياة الاعتقادية والأخلاقية والتعبدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية . . وما يلقونه كذلك من الإيذاء والمطاردة والتعذيب والتقتيل كالذي كانت تلك العصبة المختارة الأولى تبتلى - في سبيل الله - به . .

إن هؤلاء الذين يتحركون بهذا الدين في مواجهة الجاهلية ؛ ويواجهون به ما كانت تواجهه الجماعة المسلمة الأولى . . هم وحدهم الذين يرون تلك الرؤية . . وهم وحدهم الذين يفقهون هذا القرآن ؛ ويدركون الأبعاد الحقيقية لمدلولات نصوصه . على النحو الذي أسلفنا . . وهم وحدهم الذين يملكون استنباط فقه الحركة الذي لا يغني عنه فقه الأوراق ، في مواجهة الحياة المتحركة التي لا تكف عن الحركة !

وبمناسبة هذه الإشارة إلى فقه الحركة نحب أن نقرر أن الفقه المطلوب استنباطه في هذه الفترة الحاضرة هو الفقه اللازم لحركة ناشئة في مواجهة الجاهلية الشاملة . حركة تهدف إلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن الجاهلية إلى الإسلام ؛ ومن الدينونة للعباد إلى الدينونة لرب العباد ؛ كما كانت الحركة الأولى - على عهد محمد [ ص ] - تواجه جاهلية العرب بمثل هذه المحاولة ؛ قبل أن تقوم الدولة في المدينة ؛ وقبل أن يكون للإسلام سلطان على أرض وعلى أمة من الناس .

نحن اليوم في شبه هذا الموقف لا في مثله ، وذلك لاختلاف بعض الظروف والملابسات الخارجية . . نحن نستهدف دعوة إلى الإسلام ناشئة في مواجهة جاهلية شاملة . . ولكن مع اختلاف في الملابسات والظروف والحاجات والمقتضيات الواقعية للحركة . . وهذا الاختلاف هو الذي يقتضي " اجتهادا " جديدا في " فقه الحركة " يوائم بين السوابق التاريخية للحركة الإسلامية الأولى وبين طبيعة الفترة الحاضرة ومقتضياتها المتغيرة قليلا أو كثيرا . .

هذا النوع من الفقه هو الذي تحتاج إليه الحركة الإسلامية الوليدة . . أما الفقه الخاص بأنظمة الدولة ، وشرائع المجتمع المنظم المستقر ، فهذا ليس أوانه . . . إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم ، قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي ! . . هذا النوع من الفقه يأتي في حينه ؛ وتفصل أحكامه على قد المجتمع المسلم حين يوجد ؛ ويواجه الظروف الواقعية التي تكون محيطة بذلك المجتمع يومذاك !

إن الفقه الإسلامي لا ينشأ في فراغ ولا تستنبت بذوره في الهواء !

ونعود إلى استكمال الحديث عن موضوعات السورة :

محور هذه السورة الأول : هو إبراز طبيعة المكذبين بهذا الدين ودوافعهم الأصيلة للتكذيب ، وتصوير المصير المخوف الذي ينتظر الكافرين المكذبين . . وحول هذا المحور يدور السياق في عدة جولات ، متنوعةالموضوع والمجال ، ترجع كلها إلى ذلك المحور الأصيل . سواء في ذلك القصة ، ومشاهد الكون ، ومشاهد القيامة ، والتوجيهات والتعقيبات التي تسبق القصص وتتخلله وتعقب عليه .

وإذا كان جو سورة الرعد يذكر بجو سورة الأنعام . فإن جو هذه السورة - الحجر - يذكر بجو سورة الأعراف . - وابتداؤها كان بالإنذار ، وسياقها كله جاء مصداقا للإنذار - فهنا كذلك في سورة الحجر يتشابه البدء والسياق ، مع اختلاف في الطعم والمذاق !

إن الإنذار في مطلع سورة الأعراف صريح :

كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه ، لتنذر به وذكرى للمؤمنين . اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء ، قليلا ما تذكرون . وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أوهم قائلون . فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا الا أن قالوا : إنا كنا ظالمين . .

ثم ترد فيها قصة آدم وابليس ويتابعها السياق حتى تنتهي الحياة الدنيا ، ويعود الجميع إلى ربهم ، فيجدوا مصداق النذير . . ويلي القصة عرض لبعض مشاهد الكون : السماوات والأرض ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، والنجوم مسخرات بأمره ، والرياح والسحاب والماء والثمرات . . ويلي ذلك قصص قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى : وكلها تصدق النذير . .

وهنا في سورة الحجر يجيء الإنذار كذلك في مطلعها ، ولكن ملفعا بظل من التهويل والغموض يزيد جوها رهبة وتوقعا للمصير :

( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون . وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم . ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون )

ثم يعرض السياق بعض مشاهد الكون : السماء وما فيها من بروج ، والأرض الممدودة والرواسي الراسخة ، والنبت الموزون ، والرياح اللواقح ، والماء والسقيا ، والحياة والموت والحشر للجميع . . يلي ذلك قصة آدم وإبليس ، منتهية بمصير أتباعه ومصير المؤمنين . . ومن ثم لمحات من قصص إبراهيم ولوط وشعيب وصالح منظورا فيها إلى مصائر المكذبين ، وملحوظا فيها أن مشركي العرب يعرفون الآثار الدارسة لهذه الأقوام ، وهم يمرون عليها في طريقهم إلى الشام .

فالمحور في السورتين واحد ، ولكن شخصية كل منهما متميزة ؛ وإيقاعهما يتشابه ولا يتماثل ، على عادة القرآن الكريم في تناوله لموضوعاته الموحدة ، بطرق شتى ، تختلف وتتشابه ، ولكنها لا تتكرر أبدا ولا تتماثل !

ويمكن تقسيم سياق السورة هنا إلى خمس جولات ، أو خمسة مقاطع ، يتضمن كل منها موضوعا أو مجالا :

تتضمن الجولة الأولى بيان سنة الله التي لا تتخلف في الرسالة والإيمان بها والتكذيب . مبدوءة بذلك الإنذار الضمني الملفع بالتهويل :

( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ) .

ومنتهية بأن المكذبين إنما يكذبون عن عناد لا عن نقص في دلائل الإيمان :

( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا : إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ! ) . . وأنهم جميعا من طراز واحد :

ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين . وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون . كذلك نسلكه في قلوب المجرمين . لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين . .

وتعرض الجولة الثانية بعض آيات الله في الكون : في السماء وفي الأرض وما بينهما . وقد قدرت بحكمة ، وأنزلت بقدر :

( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين . وحفظناها من كل شيطان رجيم . إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين . والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون . وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين . وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم . وأرسلنا الرياح لواقح ، فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ) . .

وإلى الله مرجع كل شيء وكل أحد في الوقت المقدر المعلوم : ( وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون . ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين . وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم ) . .

أما الجولة الثالثة فتعرض قصة البشرية وأصل الهدى والغواية في تركيبها وأسبابها الأصيلة ، ومصير الغاوين في النهاية والمهتدين . وذلك في خلق آدم من صلصال من حمأ مسنون والنفخ من روح الله في هذا الطين . ثم في غرور إبليس واستكباره وتوليه الغاوين دون المخلصين .

والجولة الرابعة في مصارع الغابرين من قوم لوط وشعيب وصالح ، مبدوءة بقول الله : نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم . وأن عذابي هو العذاب الأليم ثم يتتابع القصص ، يجلو رحمة الله مع إبراهيم ولوط ، وعذابه لأقوام لوط وشعيب وصالح . . ملحوظا في هذا القصص أنه يعرض على قريش مصارع أقوام يمرون على أرضهم في طريقهم إلى الشام ويرون آثارهم :

( إن في ذلك لآيات للمتوسمين . وإنها لبسبيل مقيم ) . .

أما الجولة الخامسة والأخيرة فتكشف عن الحق الكامن في خلق السماوات والأرض المتلبس بالساعة وما بعدها من ثواب وعقاب ، المتصل بدعوة الرسول [ ص ] فهو الحق الأكبر الشامل للكون كله ، وللبدء والمصير : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ، وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل . إن ربك هو الخلاق العليم . ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم . . )إلى آخر السورة . .

بسم الله الرحمن

هذا المقطع الأول في سياق السورة ، يتحدث عن طبيعة الكتاب الذي يكذب به المشركون . . ويهددهم بيوم يتمنون فيه لو كانوا مسلمين ! كما يكشف لهم عن سبب إرجاء هذا اليوم عنهم ، فهو موقوت بأجل معلوم . . ويذكر تحدياتهم واستهزاءهم وطلبهم الملائكة ، ثم يهددهم بأن نزول الملائكة يكون معه الهلاك والتدمير ! وأخيرا يكشف عن العلة الحقيقية للتكذيب . . إنها ليست نقص الدليل ولكنه العناد الأصيل ! . .

ألف . لام . را . . تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ) . .

هذه الأحرف ونظائرها هي الكتاب وهي القرآن . هذه الأحرف التي في متناول الجميع ، هي ( تلك ) الآيات العالية الأفق البعيدة المتناول ، المعجزة التنسيق . هذه الأحرف التي لا مدلول لها في ذاتها هي القرآن الواضح الكاشف المبين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ وَقُرۡءَانٖ مُّبِينٖ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحجر وهي تسع وتسعون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ آلر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين } الإشارة إلى آيات السورة و{ الكتاب } هو السورة ، وكذا القرآن وتنكيره للتفخيم أي آيات الجامع لكونه كتابا كاملا وقرآنا يبين الرشد من الغي بيانا غريبا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ وَقُرۡءَانٖ مُّبِينٖ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الحجر . هذه السورة مكية{[1]}

تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور . و { تلك } يمكن أن تكون إشارة إلى حروف المعجم - بحسب بعض الأقوال - ويمكن أن تكون إشارة إلى الحكم والعبر ونحوها التي تضمنتها آيات التوراة والإنجيل ، وعطف القرآن عليه . قال مجاهد وقتادة : { الكتاب } في الآية ، ما نزل من الكتب قبل القرآن ، ويحتمل أن يريد ب { الكتاب } القرآن ، ثم تعطف الصفة عليه{[7123]} .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[7123]:تنكير "القرآن" هنا للتفخيم، كأنه قيل: تلك آيات الكتاب الكامل، و القرآن الجامع للكمال والغرابة في الشأن.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ وَقُرۡءَانٖ مُّبِينٖ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة الحجر ، ولا يعرف لها اسم غيره . ووجه التسمية أن اسم الحجر لم يذكر في غيرها .

والحجر اسم البلاد المعروفة به وهو حجر ثمود . وثمود هم أصحاب الحجر . وسيأتي الكلام عليه عند قوله تعالى { ولقد كذب أصحاب الحجر } . والمكتبون في كتاتيب تونس يدعونها سورة { ربما } لأن كلمة { ربما } لم تقع في القرآن كله إلا في أول هذه السورة .

وهي مكية كلها وحكي الاتفاق عليه .

وعن الحسن استثناء قوله تعالى { ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم } بناء على أن سبعا من المثاني هي سورة الفاتحة وعلى أنها مدنية . وهذا لا يصح لأن الأصح أن الفاتحة مكية .

واستثناء قوله تعالى { كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين } بناء على تفسيرهم { المقتسمين } بأهل الكتاب وهو صحيح ، وتفسير { جعلوا القرآن عضين } أنهم قالوا : ما وافق منه كتابنا فهو صدق وما خالف كتابنا فهو كذب . ولم يقل ذلك إلا يهود المدينة ، وهذا لا نصححه كما نبينه عند الكلام على تلك الآية .

ولو سلم هذا التفسير من جهتيه فقد يكون لأن اليهود سمعوا القرآن قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل فقالوا ذلك حينئذ ، على أنه قد روي أن قريشا لما أهمهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم استشاروا في أمره يهود المدينة .

وقال في الاتفاق ينبغي استثناء قوله { ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين } لما أخرجه الترمذي وغيره في سبب نزولها وأنها في صفوف الصلاة اهـ .

وهو يشير بذلك إلى ما رواه الترمذي من طريق نوح بن قيس الجذامي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر أي من صفوف الرجال فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله تعالى { ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين } . قال الترمذي ورواه جعفر بن سليمان ولم يذكر ابن عباس . وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح اهـ . وهذا توهين لطريق نوح .

قال ابن كثير في تفسيره : وهذا الحديث فيه نكارة شديدة . والظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ليس فيه لابن عباس ذكر ، فلا اعتماد إلا على حديث جعفر بن سليمان وهو مقطوع .

وعلى تصحيح أنها مكية فقد عدت الرابعة والخمسين في عدد نزول السور ؛ نزلت بعد سورة يوسف وقبل سورة الأنعام .

ومن العجيب اختلافهم في وقت نزول هذه السورة وهي مشتملة على آية { فاصدع بما تؤمر } وقد نزلت عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم في آخر السنة الرابعة من بعثته .

وعدد آيها تسع وتسعون باتفاق العادين .

مقاصد هذه السورة

افتتحت بالحروف المقطعة التي فيها تعريض بالتحدي بأعجاز القرآن .

وعلى التنويه بفضل القرآن وهديه .

وإنذار المشركين بندم يندمونه على عدم إسلامهم .

وتوبيخهم بأنهم شغلهم عن الهدى انغماسهم في شهواتهم .

وإنذارهم بالهلاك عند حلول إبان الوعيد الذي عينه الله في علمه .

وتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم إيمان من لم يؤمنوا ، وما يقولونه في شأنه وما يتوركون بطلبه منه ، وأن تلك عادة المكذبين مع رسلهم .

وأنهم لا تجدي فيهم الآيات والنذر لو أسعفوا بمجيء آيات حسب اقتراحهم به وأن الله حافظ كتابه من كيدهم .

ثم إقامة الحجة عليهم بعظيم صنع الله وما فيه من نعم عليهم .

وذكر البعث ودلائل إمكانه .

وانتقل إلى خلق نوع الإنسان وما شرف الله به هذا النوع .

وقصة كفر الشيطان .

ثم ذكر قصة إبراهيم ولوط عليهما السلام وأصحاب الأيكة وأصحاب الحجر .

وختمت بتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم وانتظار ساعة النصر ، وأن يصفح عن الذين يؤذونه ، ويكل أمرهم إلى الله ، ويشتغل بالمؤمنين ، وأن الله كافيه أعداءه .

مع ما تخلل ذلك من الاعتراض والإدماج من ذكر خلق الجن ، واستراقهم السمع ، ووصف أحوال المتقين ، والترغيب في المغفرة ، والترهيب من العذاب .

{ ألر }

تقدم الكلام على نظير فاتحة هذه السورة في أول سورة يونس .

وتقدم في أول سورة البقرة ما في مثل هذه الفواتح من إعلان التحديد بإعجاز القرآن .

{ تلك ءايات الكتاب وقرآن مبين }

الإشارة إلى ما هو معروف قبل هذه السورة من مقدار ما نزل بالقرآن ، أي الآيات المعروفة عندكم المتميزة لديكم تميزاً كتميز الشيء الذي تمكن الإشارة إليه هي آيات الكتاب . وهذه الإشارة لتنزيل آيات القرآن منزلة الحاضر المشاهد .

و { الكتاب } علم بالغلبة على القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للهدى والإرشاد إلى الشريعة . وسمي كتاباً لأنهم مأمورون بكتابة ما ينزل منه لحفظه ومُراجعته ؛ فقد سمي القرآن كتاباً قبل أن يُكتب ويجمع لأنه بحيث يكون كتاباً .

ووقعت هذه الآية في مفتتح تهديد المكذبين بالقرآن لقصد الإعذار إليهم باستدعائهم للنظر في دلائل صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وحقيقة دينه .

ولمّا كان أصل التعريف باللام في الاسم المجعول علماً بالغلبة جائياً من التوسل بحرف التعريف إلى الدلالة على معنى كمالِ الجنس في المعرف به لم ينقطع عن العلَم بالغلَبة أنه فائق في جنسه بمعونة المقام ، فاقتضى أن تلك الآيات هي آيات كتاب بالغ منتهى كمال جنسه ، أي من كتب الشرائع .

وعطف { وقرآن } على { الكتاب } لأن اسم القرآن جعل علماً على ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز والتشريع ، فهو الاسم العلَم لكتاب الإسلام مثل اسم التوراة والإنجيل والزبور للكتب المشتهرة بتلك الأسماء .

فاسم القرآن أرسخ في التعريف به من الكتاب لأن العلَم الأصلي أدخل في تعريف المسمى من العلَم بالغلبة ، فسواء نكّر لفظ القرآن أو عرف باللام فهو علم على كتاب الإسلام . فإن نكّر فتنكيره على أصل الأعلام ، وإن عُرّف فتعريفه لِلَمْح الأصل قبل العلمية كتعريف الأعلام المنقولة من أسماء الفاعلين لأن « القرآن » منقول من المصدر الدال على القراءة ، أي المقروء الذي إذا قرىء فهو منتهى القراءة .

وفي التسمية بالمصدر من معنى قوة الاتصاف بمادة المصدر ما هو معلوم .

وللإشارة إلى ما في كل من العلمين من معنى ليس في العلم الآخر حسن الجمع بينهما بطريق العطف ، وهو من عطف ما يعبر عنه بعطف التفسير لأن « قرآن » بمنزلة عطف البيان من « كتاب » وهو شبيه بعطف الصفة على الموصوف ومَا هو منه ، ولكنه أشبهه لأن المعطوف متبوع بوصف وهو { مبين } . وهذا كله اعتبار بالمعنى .

وابتُدىء بالمعرّف باللام لما في التعريف من إيذان بالشهرة والوضوح وما فيه من الدلالة على معنى الكمال ، ولأن المعرّف هو أصل الإخبار والأوصاف . ثم جيء بالمنكر لأنه أريد وصفه بالمبين ، والمنكّر أنسب بإجراء الأوصاف عليه ، ولأن التنكير يدل على التفخيم والتعظيم ، فوزعت الدلالتان على نكتة التعريف ونكتة التنكير .

فأما تقديم الكتاب على القرآن في الذكر فلأن سياق الكلام توبيخ الكافرين وتهديدهم بأنهم سيجيء وقت يتمنون فيه أن لو كانوا مؤمنين . فلما كان الكلام موجهاً إلى المنكرين ناسب أن يستحضر المنزّل على محمد صلى الله عليه وسلم بعنوانه الأعم وهو كونه كتاباً ، لأنهم حين جادلوا ما جادلوا إلا في كتاب فقالوا : { لَوْ أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم } [ الأنعام : 157 ] ولأنهم يعرفون ما عند الأمم الآخرين بعنوان كتاب ، ويعرفونهم بعنوان أهل الكتاب .

فأما عنوان القرآن فهو مناسب لكون الكتاب مقروءاً مدروساً وإنما يقرأه ويدرسه المؤمنون به . ولذلك قدم عنوان القرآن في سورة النمل كما سيأتي .

والمبين : اسم فاعل من أبان القاصر الذي هو بمعنى بَان مبالغة في ظهوره ، أي ظهور قُرآنيته العظيمة ، أي ظهور إعجازه الذي تحققه المعاندون وغيرهم .

وإنما لم نجعل المبين بمعنى أبان المتعدي لأن كونه بيّنا في نفسه أشد في توبيخ منكريه من وصفه بأنه مظهر لما اشتمل عليه . وسيجيء قريب من هذه الآية في أول سورة النمل .