1- سورة الحجر ، هي السورة الرابعة عشرة في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فقد ذكر الزركشي والسيوطي أنها نزلت بعد سورة يوسف( {[1]} ) . . .
2- وسميت بسورة الحجر ، لورود هذا اللفظ فيها دون أن يرد في غيرها وأصحاب الحجر هم قوم صالح –عليه السلام- ، إذ كانوا ينزلون الحجر –بكسر الحاء وسكون الجيم- وهو المكان المحجور ، أي الممنوع أن يسكنه أحد غيرهم لاختصاصهم به .
ويجوز أن يكون لفظ الحجر ، مأخوذ من الحجارة ، لأن قوم صالح –عليه السلام- كانوا ينحتون بيوتهم من أحجار الجبال وصخورها ، ويبنون بناء محكما جميلاً .
قال –تعالى- حكاية عما قاله نبيهم صالح لهم – [ وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ]( {[2]} ) ومساكنهم مازالت آثارها باقية ، وتعرف الآن بمدائن صالح ، وهي في طريق القادم من المدينة المنورة إلى بلاد الشام أو العكس ، وتقع ما بين خيبر وتبوك . . .
وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على ديارهم وهو ذاهب إلى غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة . . .
قال الشوكاني : وهي مكية بالاتفاق . وأخرج النحاس في ناسخه ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة الحجر بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله " ( {[3]} ) .
وقد ذكر الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه السورة أنها مكية ، دون أن يذكر في ذلك خلافاً .
وقال الآلوسي : أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير –رضي الله عنهم- أنها نزلت بمكة . وروى ذلك عن قتادة ومجاهد .
وفي مجمع البيان عن الحسن أنها مكية إلا قوله –تعالى- [ ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم ] وقوله –تعالى- [ كما أنزلنا على المقتسمين . الذين جعلوا القرآن عضين ]( {[4]} ) .
والحق أن السورة كلها مكية ، وسنبين –عند تفسيرنا للآيات التي قيل بأنها مدنية –أن هذا القول ليس له دليل يعتمد عليه .
4- ( أ ) وعندما نقرأ هذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل ، نراها في مطلعها تشير إلى سمو مكانة القرآن الكريم ، وإلى سوء عاقبة الكافرين الذين عموا وصموا عن دعوة الحق . .
قال –تعالى- [ الر ، تلك آيات الكتاب وقرآن مبين . ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون . وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم . ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ] .
( ب ) ثم تخبرنا بعد ذلك بأن الله –تعالى- قد تكفل بحفظ كتابه ، وصيانته من أي تحريف أو تبديل ، وبأن المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم إنما يكذبونه عن عناد وجحود ، لا عن نقص في الأدلة الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم .
قال –تعالى- [ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون . ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين . وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون . كذلك نسلكه في قلوب المجرمين . لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين . ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون . لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ] .
( ج ) ثم نسوق السورة الكريمة بعد ذلك ألواناً من الأدلة على وحدانية الله وقدرته ، وعلى سابغ نعمه على عباده . . .
قال –تعالى- [ ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين . وحفظناها من كل شيطان رجيم . إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين . والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ] .
( د ) ثم حكت السورة قصة خلق آدم –عليه السلام- ، وتكليف الملائكة بالسجود له ، وامتثالهم جميعاً لأمر الله –سبحانه- ، وامتناع إبليس وحده عن الطاعة ، وصدور حكمه –سبحانه- بطرده من الجنة . . .
قال –تعالى- [ ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون . والجان خلقناه من قبل من نار السموم . وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون . فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملائكة كلهم أجمعون . إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ] . .
( ه ) ثم قصت علينا السورة الكريمة بأسلوب فيه الترغيب والترهيب ، وفيه العظة والعبرة ، جانباً من قصة إبراهيم ، ثم من قصة لوط ، ثم من قصة شعيب ، ثم من قصة صالح –عليهم الصلاة والسلام- . . .
قال –تعالى- : [ ونبئهم عن ضيف إبراهيم . إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال إنا منكم وجلون . قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم . قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون . قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين . قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون . قال فما خطبكم أيها المرسلون . قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين . إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين . إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ] .
( و ) ثم ختمت سورة الحجر بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه ، وأمرته بالصفح والعفو حتى يأتي الله بأمره ، وبشرته بأنه –سبحانه- سيكفيه شر أعدائه ، وبأنه سينصره عليهم . . .
قال –تعالى- : [ وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ، وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل . إن ربك هو الخلاق العليم . ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم . لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ولا تحزن عليهم ، واخفض جناحك للمؤمنين ] .
ومن هذا العرض الإجمالي للسورة الكريمة ، نراها قد اهتمت اهتماماً واضحاً بتثبيت المؤمنين وتهديد الكافرين ، تارة عن طريق الترغيب والترهيب ، وتارة عن طريق قصص السابقين ، وتارة عن طريق التأمل في هذا الكون وما اشتمل عليه من مخلوقات تدل على وحدانية الله وعظيم قدرته وسابغ رحمته . . .
سورة الحجر من السور التي افتتحت ببعض حروف التهجى { الر } .
وقد بينا - بشئ من التفصيل - عند تفسيرنا لسورة : البقرة ، وآل عمران ، والأعراف . . . آراء العلماء في هذه الحروف التي افتتحت بها بعض سور القرآن الكريم .
وقلنا ما خلاصته : من العلماء من يرى أن المعنى المقصود منها غير معروف لأنها من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه . . .
ومنهم من يرى أن المعنى المقصود منها معلوم ، وأنها ليست من المتشابه ، بل هي أسماء للسور التي افتتحت بها . . . أو هي حروف مقطعة بعضها من أسماء الله ، وبعضها من صفاته . . .
ثم قلنا : ولعل أقرب الآراء إلى الصواب أن يقال : إن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت في افتتاح بعض السور ؛ للإِشعار بأن هذا القرآن الذي تحدى الله به المشركين ، هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التي يعرفونها ، ويقدرون على تأليف الكلام منها ، فإذا عجزوا عن الإِتيان بسورة من مثله ، فذلك لبلوغه في الفصاحة والحكمة مرتبة يقف فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل .
وفضلاً عن ذلك فإن تصدير بعض السور بمثل هذه الحروف المقطعة ، يجذب أنظار المعرضين عن استماع القرآن حين يتلى عليهم إلى الإِنصات والتدبر ، لأنه يطرق أسماعهم في أول التلاوة ألفاظ غير مألوفة في مجارى كلامهم وذلك مما يلفت أنظارهم ليتبينوا ما يراد منها ، فيسمعوا حكماً وهدايات قد تكون سبباً في استجابتهم للحق ، كما استجاب صالحو الجن الذين حكى الله - تعالى - عنهم أنهم عندما استمعوا إلى القرآن قالوا : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يهدي إِلَى الرشد فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً . . . . } واسم الإِشارة { تلك } يعود إلى الآيات التي تضمنتها هذه السورة ، أو إلى جميع الآيات القرآنية التي نزلت قبل ذلك .
والمراد بالكتاب : القرآن الكريم ، ولا يقدح في هذا ، ذكر لفظ القرآن بعده ، لأنه - سبحانه - جمع له بين الاسمين تفخيماً لشأنه ، وتعظيماً لقدره .
و { مبين } اسم فاعل من أبان الذي هو بمعنى بان ، مبالغة في الوضوح والظهور .
قال صاحب الصحاح : يقال : " بان الشئ يبين بيانا ، أى اتضح ، فهو بين وكذا أبان الشئ فهو مبين . . . " .
والمعنى : تلك - أيها الناس - آيات بينات من الكتاب الكامل في جنسه ، ومن القرآن العظيم الشأن ، الواضح في حكمه وأحكامه ، المبين في هدايته وإعجازه فأقبلوا عليها بالحفظ لها ، وبالعمل بتوجيهاتها ، لتنالوا السعادة في دنياكم وآخرتكم .
قال الآلوسى : " وفى جمع وصفى الكتابية والقرآنية من تفخيم شأن القرآن ما فيه ، حيث أشير بالأول إلى اشتماله على صفات كمال جنس الكتب الإِلهية فكأنه كلها ، وبالثانى إلى كونه ممتازاً عن غيره ، نسيجا وحده ، بديعاً في بابه ، خارجاً عن دائرة البيان ، قرآناً غير ذى عوج
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.