التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ وَقُرۡءَانٖ مُّبِينٖ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحجر

في السورة حكاية لبعض أقوال الكفار ومناظرتهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولفت نظر إلى عظمة الله تعالى في كونه ، وتذكير بقصة آدم وإبليس ، وتذكير بمصائر بعض الأمم التي يمر العرب بديارهم المدمرة ، وتثبيت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتبشير هم وإنذار ووعيد للكافرين .

وفصول السورة مترابطة وآياتها متوازنة . وهذا وذاك يلهمان أنها نزلت دفعة واحدة أو فصولا متتابعة حتى تمت ، والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآية [ 87 ] مدنية . وانسجامها التام في السياق والموضوع يسوغ الشك في الرواية .

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

{ الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ ( 1 ) رُّبَمَا( 1 ) يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ( 2 ) ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ( 3 ) وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ( 2 ) ( 4 ) مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ( 5 ) } [ 1 – 5 ] .

بدأت السورة بحروف الألف واللام والراء التي بدأت بها السور الثلاث السابقة لها استرعاء لما يأتي بعدها على ما رجحناه في أمثالها . ولعل ذلك من قرائن تتابع السور الأربع في النزول الذي ذكرته الروايات ، وقد أعقب الحروف إشارة تنويه وإشارة إلى آيات الكتاب والقرآن البليغة والواضحة مما جاء كذلك في مطالع السور الثلاث السابقة

واحتوت الآيات الأربع التالية :

تقريرا ربانيا يتضمن معنى الإنذار بأنه سيأتي على الكفار يوم يتمنون فيه لو كانوا مسلمين ندما على ما كان منهم وتفاديا من العذاب الذي عرفوا أنه واقع عليهم ، وأمرا للنبي صلى الله عليهم وآله وسلم بأن يدعهم يأكلون ويتمتعون ويتلهون بالآمال فلن يلبثوا أن يعلموا ويروا ذلك اليوم الرهيب . وتقريرا ربانيا بأن الله تعالى إذا لم يعجل لهم العذاب فإن ذك لما اقتضته حكمته ، وإن هلاك الأمم من قبلهم كان منوطا بآجال معينة في علمه ، فلا تتقدم أمة عن أجلها ولا تتأخر عنه ، وينطوي في هذا إنذار آخر كما هو المتبادر .

وواضح أن الآيات في صدد إنذار الكفار ووعيدهم بما ينتظرون من المصير الرهيب الذي صار إليه من قبلهم ، وتثبيت النبي صلى الله عليهم وآله وسلم وتطمينه ، وهي مقدمة لما يأتي بعدها من حكاية أقوال الكفار ومواقفهم .

وهذه ثاني مرة يجتمع فيها تعبيرا ( الكتاب ) و( القرآن ) قي آية واحدة ، وقد أشرنا إلى ما يمكن أن يكون في ذلك من حكمة في سياق تفسير الآية الأولى من سورة النمل التي ورد فيها التعبيران معا فلا ضرورة للتكرار .

ولقد أورد المفسرون في سياق الآية الثانية أحاديث عديدة في معان متقاربة منها صيغة رواها الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليهم وآله وسلم قال : ( إذا أخرج أهل التوحيد من النار وأدخلوا الجنة ود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ){[1225]} . وينطوي في الأحاديث تبشير وإنذار متساوقان مع ما استهدفته الآية كما هو المتبادر


[1225]:التاج جـ 4 ص 137 والمتبادر أن المقصود بخروج أهل التوحيد من النار الذين كان عليهم ذنوب فدخلوا النار لقضاء مدة ما عقابا عليها، وهناك حديث رواه الشيخان عن أنس عن النبي صلى الله عليهم وآله وسلم قال: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من إيمان) التاج جـ1 ص 27.