تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ لَوۡلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِينَآ ءَايَةٞۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَيَّنَّا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (118)

{ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ }

أي : قال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم : هلا يكلمنا ، كما كلم الرسل ، { أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ } يعنون آيات الاقتراح ، التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة ، وآرائهم الكاسدة ، التي تجرأوا بها على الخالق ، واستكبروا على رسله كقولهم : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ } الآية ، وقالوا : { لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ } الآيات وقوله : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا } الآيات .

فهذا دأبهم مع رسلهم ، يطلبون آيات التعنت ، لا آيات الاسترشاد ، ولم يكن قصدهم تبين الحق ، فإن الرسل ، قد جاءوا من الآيات ، بما يؤمن بمثله البشر ، ولهذا قال تعالى : { قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } فكل موقن ، فقد عرف من آيات الله الباهرة ، وبراهينه الظاهرة ، ما حصل له به اليقين ، واندفع عنه كل شك وريب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ لَوۡلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِينَآ ءَايَةٞۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَيَّنَّا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (118)

104

وإذ ينتهي من عرض مقولة أهل الكتاب في ادعاء الولد لله - سبحانه - وتصحيح هذه المقولة وردها ، يتبعها بمقولة للمشركين فيها من سوء التصور ما يتسق مع سوء التصور عن أهل الكتاب :

( وقال الذين لا يعلمون : لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ! كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) .

والذين لا يعلمون هم الأميون الذين كانوا مشركين ؛ إذ لم يكن لديهم علم من كتاب . وكثيرا ما تحدوا النبي [ ص ] أن يكلمهم الله أو أن تأتيهم خارقة من الخوارق المادية . . وذكر هذه المقولة هنا مقصود لبيان أن الذين من قبلهم - وهم اليهود وغيرهم - طلبوا مثل هذا من أنبيائهم . فلقد طلب قوم موسى أن يروا الله جهرة ، وطلبوا وتعنتوا في طلب الخوارق المعجزة . فبين هؤلاء وهؤلاء شبه في الطبيعة ، وشبه في التصور ، وشبه في الضلال :

( تشابهت قلوبهم ) . .

فلا فضل لليهود على المشركين . وهم متشابهو القلوب في التصور والعنت والضلال :

( قد بينا الآيات لقوم يوقنون ) . .

والذي يجد راحة اليقين في قلبه يجد في الآيات مصداق يقينه ، ويجد فيها طمأنينة ضميره . فالآيات لا تنشىء اليقين ، إنما اليقين هو الذي يدرك دلالتها ويطمئن إلى حقيقتها . ويهيء القلوب للتلقي الواصل الصحيح .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ لَوۡلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِينَآ ءَايَةٞۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَيَّنَّا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (118)

{ وقال الذين لا يعلمون } أي جهلة المشركين ، أو المتجاهلون من أهل الكتاب . { لولا يكلمنا الله } هلا يكلمنا الله كما يكلم الملائكة ، أو يوحي إلينا بأنك رسوله . { أو تأتينا آية } حجة على صدقك ، والأول استكبار والثاني جحود ، لأن ما أتاهم آيات الله استهانة به وعنادا ، { كذلك قال الذين من قبلهم } من الأمم الماضية { مثل قولهم } فقالوا : { أرنا الله جهرة } . { هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء } { تشابهت قلوبهم } قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى والعناد . وقرئ بتشديد الشين . { قد بينا الآيات لقوم يوقنون } أي يطلبون اليقين ، أو يوقنون الحقائق لا يعتريهم شبهة ولا عناد . وفيه إشارة إلى أنهم ما قالوا ذلك لخفاء في الآيات أو لطلب مزيد اليقين ، وإنما قالوه عتوا وعنادا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ لَوۡلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِينَآ ءَايَةٞۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَيَّنَّا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (118)

{ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( 118 )

قوله تعالى : { وقال الذين لا يعلمون } الآية ، قال الربيع والسدي : هم كفار العرب }( {[1184]} ) .

قال القاضي أبو محمد : وقد طلب عبد الله بن أبي أمية وغيره من النبي صلى الله عليه نحو هذا ، فنفى عنهم العلم لأنهم لا كتاب عندهم ولا اتباع نبوة ، وقال مجاهد : هم النصارى( {[1185]} ) لأنهم المذكورون في الآية أولاً ، ورجحه الطبري ، وقال ابن عباس : المراد من كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود ، لأن رافع بن حريملة قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أسمعنا كلام الله ، وقيل : الإشارة بقوله { لا يعلمون } إلى جميع هذه الطوائف ، لأن كلهم قال هذه المقالة أو نحوها ، ويكون { الذين من قبلهم } قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ، و { لولا } تحضيض بمعنى هلا( {[1186]} ) ، كما قال الأشهب بن رميلة : [ الطويل ]

تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أفضلَ مجدِكُمْ . . . بني ضَوْطَرى لولا الكميّ المقنعا( {[1187]} )

وليست هذه { لولا } التي تعطي منع الشيء لوجوب غيره ، وفرق بينهما أنها في التحضيض لا يليها إلا الفعل مظهراً أو مقدراً ، وعلى بابها في المنع للوجوب( {[1188]} ) يليها الابتداء ، وجرت العادة بحذف الخبر ، والآية هنا العلامة الدالة ، وقد تقدم القول في لفظها( {[1189]} ) ، و { الذين من قبلهم } اليهود والنصارى في قول من جعل { الذين لا يعلمون } كفار العرب ، وهم الأمم السالفة في قول من جعل { الذين لا يعلمون } كفار العرب والنصارى واليهود ، وهم اليهود في قول من جعل { الذين لا يعلمون } النصارى ، والكاف الأولى من { كذلك } نعت لمصدر مقدر ، و { مثل } نعت لمصدر محذوف ، ويصح أن يعمل فيه ، { قال } : وتشابه القلوب هنا في طلب ما لا يصح أو في الكفر وإن اختلفت ظواهرهم ، وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو حيوة «تَشَّابهت » بشد الشين ، قال أبو عمرو الداني : وذلك غير جائز لأنه فعل ماض .

وقوله تعالى : { قد بينا الآيات لقوم يوقنون } لما تقدم ذكر الذين أضلهم الله حتى كفروا بالأنبياء وطلبوا ما لا يجوز لهم أتبع ذلك الذين بين لهم ما ينفع وتقوم به الحجة ، لكن البيان وقع وتحصل للموقنين ، فلذلك خصهم بالذكر ، ويحتمل أن يكون المعنى قد بينا البيان الذي هو خلق الهدى ، فكأن الكلام قد هدينا من هدينا ، واليقين إذا اتصف به العلم خصصه وبلغ به نهاية الوثاقة( {[1190]} ) ، وقوله تعالى { بينا } قرينة تقتضي أن اليقين صفة لعلمهم ، وقرينة أخرى ، وهي أن الكلام مدح لهم ، وأما اليقين في استعمال الفقهاء إذا لم يتصف به العلم فإنه أحط من العلم ، لأن العلم عندهم معرفة المعلوم على ما هو به واليقين معتقد يقع للموقن في حقه والشيء على خلاف معتقده ، ومثال ذلك تيقن المقلد ثبوت الصانع ، ومنه قول مالك - رحمه الله - في «الموطأ » في مسألة الحالف على الشيء يتيقنه الشيء في نفسه على غير ذلك . ( {[1191]} )

قال القاضي أبو محمد : وأما حقيقة الأمر فاليقين هو الأخص وهو ما علم على الوجه الذي لا يمكن أن يكون إلا عليه .


[1184]:- رجح الحافظ (ك) هذا القول بسرد آيات تدل على عتو المشركين وعنادهم انظره.
[1185]:- ونفى عنهم العلم كما نفى عن اليهود على قول ابن عباس الآتي: لأنهم لم يعملوا بمقتضاه، وقد تقرر أن الذي لا يعمل بالعلم ينزل منزلة الجاهل به.
[1186]:- أي: هلا يكلمنا الله بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو تأتينا آية دالة على نبوته.
[1187]:- الأشهب: هو أبو ثور، ورميلة بالراء المهملة اسم أمه، وقد نسب بعضهم هذا البيت إلى جرير من قصيدة يهجو بها الفرزدق وقومه، وهو الصحيح، والنيب: جمع نابة وهي الناقة المسنة، ويقال للقوم إذا كانوا لا يغنون غناء: (بنو ضوطرى)، وهم أيضا حي معروف، وقيل الضوطرى: الحمقى- وصححه ابن سيدة، ولولا الكمي المقنعا (لولا): بمعنى هلا، أي هلا تعدون الكمي المقنع بالسلاح.
[1188]:- أي منع الشيء لوجوب غيره أي لوجود غيره.
[1189]:- في أول الكتاب عند التعرض لشرح الآية والسورة.
[1190]:- اليقين هو العلم الحاصل عن نظر واستدلال، ولهذا لا يسمى علم الله يقينا، ويقال: علم اليقين، وعلم يقين- فاليقين إذا اتصف به العلم قواه وبلغ به نهاية الوثاقة.
[1191]:- يعني أن اليقين أحط من العلم بثبوت الصانع، وقد يتيقن المقلد شيئا وهو على خلاف ذلك، ومنه قول الإمام مالك في مسألة الحالف، فقوله: "ومثال ذلك" راجع إلى قوله: "فإنه أحك من العلم"، وقوله: "ومنه قول مالك" راجع إليه وإلى أن الشيء قد يكون على خلاف ما يعتقده ويتيقنه.