تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَقَدۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ رُسُلٗاۖ كُلَّمَا جَآءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُهُمۡ فَرِيقٗا كَذَّبُواْ وَفَرِيقٗا يَقۡتُلُونَ} (70)

{ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ * وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ْ }

يقول تعالى : { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ْ } أي : عهدهم الثقيل بالإيمان بالله ، والقيام بواجباته التي تقدم الكلام عليها في قوله : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ْ } إلى آخر الآيات . { وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ْ } يتوالون عليهم بالدعوة ، ويتعاهدونهم بالإرشاد ، ولكن ذلك لم ينجع فيهم ، ولم يفد { كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ ْ } من الحق كذبوه وعاندوه ، وعاملوه أقبح المعاملة { فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ْ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَقَدۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ رُسُلٗاۖ كُلَّمَا جَآءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُهُمۡ فَرِيقٗا كَذَّبُواْ وَفَرِيقٗا يَقۡتُلُونَ} (70)

بعد ذلك يأخذ السياق في عرض طرف من تاريخ بني إسرائيل - اليهود - يتجلى فيه كيف أنهم ليسوا على شيء ؛ ويتبين معه ضرورة تبليغهم الدعوة ، ومخاطبتهم بالإسلام ، ليأووا منه إلى دين الله . ثم لتتبين حقيقتهم التي لم تتغير ؛ وتنكشف للمسلمين هذه الحقيقة ، فتسقط في أعينهم قيمة يهود ، وتنفر قلوبهم من الولاء لهم والتناصر معهم ، وهم على مثل هذه الحال في أمر الحق والدين :

( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ، وأرسلنا إليهم رسلا . كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم : فريقا كذبوا وفريقا يقتلون . وحسبوا ألا تكون فتنة . فعموا وصموا ، ثم تاب الله عليهم ، ثم عموا وصموا - كثير منهم - والله بصير بما يعملون ) . .

إنه تاريخ قديم ! فليس موقفهم من رسول الإسلام [ ص ] بالأول ولا بالأخير ! إنهم مردوا على العصيان والإعراض ؛ ومردوا على النكول عن ميثاق الله ؛ ومردوا على اتخاذ هواهم إلههم لا

دين الله ، ولا هدى الرسل ؛ ومردوا على الإثم والعدوان على دعاة الحق وحملة دعوة الله :

( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا . كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ) . .

وسجل بني إسرائيل مع أنبيائهم حافل بالتكذيب والإعراض ؛ حافل بالقتل والاعتداء ! حافل بتحكيم الشهوات والأهواء .

ولعله من أجل ذلك قص الله تاريخ بني إسرائيل على الأمة المسلمة في تفصيل وتطويل . . لعلها تتقي أن تكون كبني إسرائيل ؛ ولعلها تحذر مزالق الطريق ، أو لعل الواعين منه الموصولين بالله يدركون هذه المزالق ؛ أو يتأسون بأنبياء بني إسرائيل حين يصادفون ما صادفوا وأجيال من ذراري المسلمين تنتهي إلى ما انتهى إليه بنو إسرائيل ، حين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم ؛ فتحكم الهوى ؛ وترفض الهدى ، وتكذب فريقا من الدعاة إلى الحق ، وتقتل فريقا ؛ كما صنع بغاة بني إسرائيل ، في تاريخهم الطويل !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَقَدۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ رُسُلٗاۖ كُلَّمَا جَآءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُهُمۡ فَرِيقٗا كَذَّبُواْ وَفَرِيقٗا يَقۡتُلُونَ} (70)

{ لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا } ليذكروهم وليبينوا لهم أمر دينهم . { كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم } بما يخالف هواهم من الشرائع ومشاق التكاليف . { فريقا كذبوا وفريقا يقتلون } جواب الشرط والجملة صفة رسلا والراجع محذوف أي رسول منهم . وقيل الجواب محذوف دل عليه ذلك وهو استئناف ، وإنما جيء ب{ يقتلون } موضع قتلوا على حكاية الحال الماضية استحضارا لها واستفظاعا للقتل وتنبيها على أن ذلك من ديدنهم ماضيا ومستقبلا ومحافظة على رؤوس الآي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَقَدۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ رُسُلٗاۖ كُلَّمَا جَآءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُهُمۡ فَرِيقٗا كَذَّبُواْ وَفَرِيقٗا يَقۡتُلُونَ} (70)

قوله عز وجل : { لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل } الآية ، استئناف خبر بفعل أوائلهم وما نقضوا من العهود واجترحوا من الجرائم ، أي«إن العصا من العصية{[4630]} » ، وهؤلاء يا محمد من أولئك فليس قبيح فعلهم ببدع ، و { كلما } ظرف والعامل فيه [ كذبوا ] و[ يقتلون ] . . وقوله تعالى : { بما لا تهوى أنفسهم } يقتضي أن هواهم كان غير الحق وهو ظاهر هوى النفس متى أطلق ، فمتى قيد بالخير ساغ ذلك ، ومنه قول عمر رضي الله عنه في قصة أسارى بدر : فهوى رسول الله ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت أنا ، وقوله تعالى : { فريقاً كذبوا } معناه كذبوه فقط ، يريد الفريق من الرسل ولم يقتلوه ، وفريقاً من الرسل كذبوه وقتلوه ، فاكتفى بذكر القتل إذ هو يستغرق التكذيب .


[4630]:- العصا: فرس جذيمة، والعصية: أمها، يضرب في مناسبة الشيء سنخه (أصله) وكانتا كريمتين، ويروى: "العصا من العصية، والأفعى بنت حية" والمعنى أن العود الكبير ينشأ من الصغير الذي غرس أولا، يضرب للشيء الجليل الذي يكون في أوله حقيرا" (المستقصى في أمثال العرب- للزمخشري).