غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَقَدۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ رُسُلٗاۖ كُلَّمَا جَآءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُهُمۡ فَرِيقٗا كَذَّبُواْ وَفَرِيقٗا يَقۡتُلُونَ} (70)

70

التفسير : افتتح الله تعالى السورة بقوله { أوفوا بالعقود } وانجر الكلام إلى ما انجرّ والآن عاد إلى ما بدأ به والمقصود بيان عتوّ بني إسرائيل وشدة تمردهم أي أخذنا ميثاقهم بخلق الدلائل وخلق العقل الهادي إلى كيفية الاستدلال { وأرسلنا إليهم رسلاً } لتعريف الشرائع والأحكام . قال في الكشاف { كلما جاءهم رسول } الخ جملة شرطية وقعت صفة ل { رسلاً } والراجع إلى الموصوف محذوف أي رسول منهم . وأقول : الأصوب جعلها جملة مستأنفة جواباً لسائل يسأل كيف فعلوا برسلهم ؟ ولهذا كان الوقف على { رسلاً } مطلقاً ، أما جواب الشرط فاختار في الكشاف أنه محذوف لأن الرسول الواحد لا بكون فريقين ولأنه لا يحسن أن يقال : إن أكرمت أخي أخاك أكرمت فالتقدير : كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه أو عادوه وقوله { فريقاً كذبوا } جواب قائل : كيف فعلوا ؟ وأقول أما أن التركيب المذكور غير مستحسن فعين النزاع ، وأما أن الرسول الواحد لا يكون فريقين فتغليط لأن قوله { كلما } يدل على كثرة مجيء الرسل فلهذا صح جعلهم فريقين ومعنى { بما لا تهوى أنفسهم } بما يضاد شهواتهم لرغبتهم عن التكاليف ، وفائدة تقديم المفعول وإيراد { يقتلون } مضارعاً ذكرناها في سورة البقرة وزعم في التفسير الكبير أنه ذكر التكذيب بلفظ الماضي لأنه إشارة إلى معاملتهم مع موسى عليه السلام في ألبتة وتمردهم عن قبول قوله وقد انقضى من ذلك الزمان أدوار كثيرة ، وذكر القتل بلفظ المستقبل لأنه رمز إلى ما فعلوا بزكريا ويحيى وعيسى على زعمهم وإن ذلك الزمان قريب فكان كالحاضر .