التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{لَقَدۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ رُسُلٗاۖ كُلَّمَا جَآءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُهُمۡ فَرِيقٗا كَذَّبُواْ وَفَرِيقٗا يَقۡتُلُونَ} (70)

قوله تعالى : { لقد أخذنا ميثاق بني إسرءيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ( 70 ) وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون } الميثاق معناه العهد . فقد أخذ على بني إسرائيل أنبياؤهم العهد أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأن يعملوا بالأحكام والشرائع المكتوبة في التوراة دون إنقاص أو زيادة أو تحريف . وأرسل إليهم رسلا كثيرين منهم مبالغة في تذكرهم وتنبيههم وتحذيرهم من مخالفاتهم ونكولهم عن شرائع الله فضلا عن تلاعبهم فيها بالتغيير والتبديل والتحريف . لكنهم مع ذلك كله ظلوا سادرين في غيهم وطغيانهم ، ضالعين في التمرد على أحكام الله ، موغلين في إتيان المنكرات وكبائر المعاصي . فكان من أعتى العتو في ذلك قتلهم الأنبياء ظلما وعدوانا . لا جرم أن هذه جريمة بالغة نكراء يذهل من فداحتها العقل والجنان ، وتتزلزل من هولها الأرض والسماء ! وإلى ذلك يشير الباري في قوله { وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفرقا يقتلون } أي كلما أتاهم رسول مبعوث من عند الله هاديا لهم ومذكرا ومحذرا وداعيا لهم أن يأخذوا بأحكام الله وأن لا يخالفوها ، فرأوا أنه مخالف لهواهم ، مضاد لشهواتهم كذبوه أو قتلوه تبعا لهواهم ولما يروق لأمزجتهم وطبائعهم الغريبة . فمن الذين كذبوهم ولم يقتلوهم عيسى ابن مريم وغيره . وممن قتلوهم زكريا ويحيى وغيرهما من النبيين . وليس من سبب للتكذيب أو القتل إلا أن ما دعاهم إليه لا يوافق هواهم . فالمعيار والمسبار لدى بني إسرائيل في عامة القضايا ، ما فتىء حتى الساعة هو الهوى . فما وافق هواهم رضوا به وأخذوه ، وما خالف هواهم رفضوه وجانبوه في غلظة وأعلنوا عليه النكير والنفير .