نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{لَقَدۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ رُسُلٗاۖ كُلَّمَا جَآءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُهُمۡ فَرِيقٗا كَذَّبُواْ وَفَرِيقٗا يَقۡتُلُونَ} (70)

ولما كانت هذه البشارة - الصادقة{[27022]} من العزيز العليم الذي أهل الكتاب أعرف الناس به لمن آمن كائناً من كان - موجبة{[27023]} للدخول في الإيمان والتعجب ممن لم يسارع إليه ، وكان أكثر أهل الكتاب إنما يسارعون في الكفر ، كان الحال مقتضياً لتذكر ما مضى من قوله تعالى

{ ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم{[27024]} اثني عشر نقيباً }[ المائدة : 12 ] وزيادة العجب منهم مع ذلك ، فأعاد سبحانه الإخبار به مؤكداً له تحقيقاً لأمره وتفخيماً لشأنه ، وساقه على وجه يرد دعوى البنوة والمحبة ، ملتفتاً مع التذكير بأول قصصهم{[27025]} في هذه السورة إلى أول السورة

{ أوفوا بالعقود }[ المائدة : 1 ] وعبر في موضع الجلالة بنون العظمة ، وجعل بدل النقباء الرسل فقال مستأنفاً : { لقد أخذنا } أي على ما لنا من العظمة { ميثاق بني إسرائيل } أي على الإيمان بالله ثم بمن يأتي بالمعجز مصدقاً لما عنده{[27026]} بحيث يقوم الدليل على أنه من رسل{[27027]} الله الذين تقدم أخذ العهد عليهم بالإيمان بهم{[27028]} ، ودل على عظمة الرسل بقوله في مظهر العظمة : { وأرسلنا إليهم رسلاً } أي لم نكتف{[27029]} بهذا العهد ، بل{[27030]} لم نخلهم من بعد موسى من الرسل الذين يرونهم الآيات ويجددون لهم أوامر الرب إلى زمن عيسى عليه السلام ، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه - البخاري في بني إسرائيل{[27031]} ومسلم في المغازي - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم{[27032]} الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وسيكون خلفاء فيكثرون ، قالوا : فما تأمرنا ؟{[27033]} قال : فوا{[27034]} ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم " انتهى . ومع ذلك فلم يخل لهم زمان طويل من الكفر لا{[27035]} في زمن موسى ولا في زمن من بعده من الأنبياء عليهم السلام ، حتى قتلوا كثيراً من الرسل{[27036]} وهو معنى قوله{[27037]} - جواباً لمن كأنه قال : ما فعلوا بالرسل : { كلما جاءهم رسول } أي من أولئك الرسل أي رسول كان { بما لا تهوى أنفسهم } أي بشيء لا تحبه نفوسهم محبة تتساقط بها إليه ، خالفوه ، فكأنه قيل : أي مخالفة ؟ فقيل : { فريقاً } أي من الرسل { كذبوا } أي كذبهم بنو إسرائيل من غير قتل ، ودل على شدة بشاعة القتل وعظيم شناعته بالتعبير بالمضارع تصويراً للحال الماضية وتنبيهاً على أن هذا ديدنهم وهو أشد من التكذيب فقال : { وفريقاً يقتلون * } أي مع التكذيب وليدل على ما وقع منهم{[27038]} في سم{[27039]} النبي صلى الله عليه وسلم ، وقدم المفعول للدلالة على انحصار أمرهم في حال التكذيب والقتل ، فلا حظ لهم في تصديق مخالف{[27040]} لأهويتهم


[27022]:زيد من ظ.
[27023]:في الأصل و ظ: موجب- كذا.
[27024]:من ظ والقرآن الكريم سورة 5 آية 12، وفي الأصل: منكم.
[27025]:في ظ: قصصه.
[27026]:في ظ: عندهم.
[27027]:في ظ: رسول.
[27028]:سقط من ظ.
[27029]:في ظ: لم يكتف.
[27030]:سقط من ظ.
[27031]:راجع كتاب الأنبياء.
[27032]:في ظ: برسوسهم.
[27033]:من ظ وصحيح البخاري، وفي الأصل: قافرا- كذا.
[27034]:من ظ وصحيح البخاري، وفي الأصل: قافرا- كذا.
[27035]:زيد من ظ.
[27036]:تكرر ما بين الرقمين في ظ بعد "ما فعلوا بالرسل".
[27037]:تكرر ما بين الرقمين في ظ بعد "ما فعلوا بالرسل".
[27038]:في ظ: من سهم.
[27039]:في ظ: من سهم.
[27040]:في ظ: تحليف- كذا.