تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَقَدۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ رُسُلٗاۖ كُلَّمَا جَآءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُهُمۡ فَرِيقٗا كَذَّبُواْ وَفَرِيقٗا يَقۡتُلُونَ} (70)

وقوله تعالى : { لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل } قد أخذ الله عز وجل الميثاق على جميع البشر ، وخصهم به دون غيرهم من الخلائق لما ركب فيهم ما يعرف كل به شهادة الخلقة على وحدانية ربه كقوله صلى الله عليهم وسلم : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان } [ الآية : 72 ] .

ثم خص بني إسرائيل من البشر بفضل الميثاق كما أرسل إليهم الرسل منهم ، وهو قوله تعالى : { وأرسلنا إليهم رسلا } وكأنهم قد قبلوا تلك المواثيق كقوله تعالى : { إني معكم لئن أقمتم الصلاة } إلى آخره [ الآية : 12 ] وكقوله تعالى : { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } [ البقرة : 40 ] كان من الله عهد ، فأخبر أنهم إذا أوفوا بعهده يوفي بعهدهم .

وقوله تعالى : { كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون } في الآية دلالة أنهم كانوا يخالفون دين الرسل بأجمعهم لما أحدثوا من اتباع أهوائهم ، وأن الرسل ، وإن اختلفت أوقات مجيئهم ، فإنهم إنما يدعون بأجمعهم إلى دين واحد .

وقوله تعالى : { فريقا كذبوا وفريقا يقتلون } منهم من كذب ، ومنهم من قتل . لكن القتل إن كان فهو في الأنبياء غير الرسل لأنه تعالى قال : { إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } [ غافر : 51 ] أخبر أنه ينصر رسله ، وليس في القتل نصر . ويحتمل قوله تعالى : { وفريقا يقتلون } أي فريقا قصدوا قصد قتلهم . وقد ذكرنا هذا في ما تقدم .