قوله تعالى : { كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ } : قد تقدَّم الكلام على " كلما " مشبعاً فَأَغْنى عن إعادتِه . وقال الزمخشري : " كلما جاءهم رسول " جملةٌ شرطيةٌ وقعت صفةً ل " رسلاً " والراجعُ محذوفٌ أي : رسول منهم " ، ثم قال : " فإنْ قلت : أين جوابُ الشرط ، فإنَّ قولَه : { فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ } ناب عن الجواب ، لأنَّ الرسولَ الواحدَ لا يكون فريقين ، ولأنه لا يحسُن أن تقولَ : " إن أكرمت أخي أخاك أكرمت " ؟ قلت : هو محذوفٌ يَدُلُّ عليه قوله : { فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ } كأنه قيل : كلما جاءَهم رسولٌ ناصَبُوه ، وقوله : { فَرِيقاً كَذَّبُواْ } جواب مستأنف لقائلٍ يقول : كيف فَعَلُوا برسلهم ؟ " قال الشيخ : " وليس " كلما " شرطاً ، بل " كلَّ " منصوبٌ على الظرف و " ما " مصدرية ظرفية ، ولم يجزم العرب ب " كلما " أصلاً ، ومع تسليم أن " كلما " شرط فلا يمتنع لِما ذكر ، أما الأول فلأنَّ المرادَ ب " رسول " الجنسُ لا واحدٌ بعينه ، فيصح انقسامُه إلى فريقين نحو : " لا أصحبك ما طَلَعَ نجمٌ " أي : جنس النجوم ، وأما الثاني فيعني أنه لا يجوزُ تقديمُ معمولِ جوابِ الشرط عليه ، وهذا الذي منعه إنما منعه الفراءُ وحدَه ، وأما غيرُه فأجاز ذلك ، وهذا مع تسليم أنَّ " كلما " شرط ، وأمَّا إذا مشينا على أنَّها ظرفيةٌ فلا حاجة إلى الاعتذارِ عن ذلك ، ولا يمتنعُ تقديمُ معمولِ الفعلِ العاملِ في " كلما " تقول : " كلما جئتني أخاك أكرمتُ " قلت : هذا واضحٌ من أنها ليست شرطاً ، وهذه العبارةُ تكثُر في عبارة الفقهاء دونَ النحاة . وفي عبارة أبي البقاء ما يُشْعر بما قاله الزمخشري فإنه قال : " وكَذَّبوا " جواب " كلما " " وفريقاً " مفعول ب " كَذَّبوا " و " فريقاً " منصوب ب " يقتلون " وإنما قدَّمَ مفعولَ " يقتلون " لتواخي رؤوسِ الآي ، وقَدَّم مفعولَ " كَذَّبوا " مناسبة لما بعده .
قال الزمخشري : " فإنْ قلت : لِمَ جيء بأحد الفعلين ماضياً وبالآخر مضارعاً ؟ قلت : جِيء ب " يقتلون " على حكايةِ الحالِ الماضية استفظاعاً للقتلِ ، واستحضاراً لتلك الحال الشنيعة للعجبِ منها " انتهى . وقد يقال : فلِمَ لا حُكِيت حالُ التكذيب أيضاً فيُجاء بالفعل مضارعاً لذلك ؟ ويُجاب بأنَّ الاستفظاعَ في القتلِ وشناعتِه أكثرُ ن فظاعةِ التكذيب ، وأيضاً فإنه لمَّا جِيء به مضارعاً ناسَبَ رؤوس الآي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.