ثم ذكر أن هذا المفسد في الأرض بمعاصي الله ، إذا أمر بتقوى الله تكبر وأنف ، و { أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ } فيجمع بين العمل بالمعاصي والكبر{[133]} على الناصحين .
{ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } التي هي دار العاصين والمتكبرين ، { وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } أي : المستقر والمسكن ، عذاب دائم ، وهم لا ينقطع ، ويأس مستمر ، لا يخفف عنهم العذاب ، ولا يرجون الثواب ، جزاء لجناياتهم ومقابلة لأعمالهم ، فعياذا بالله من أحوالهم .
ويمضي السياق يوضح معالم الصورة ببعض اللمسات :
( وإذا قيل له : اتق الله أخذته العزة بالإثم . فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) . .
إذا تولى فقصد إلى الإفساد في الأرض ؛ وأهلك الحرث والنسل ؛ ونشر الخراب والدمار ؛ وأخرج ما يعتمل في صدره من الحقد والضغن والشر والفساد . . إذا فعل هذا كله ثم قيل له : ( اتق الله ) . . تذكيرا له بخشية الله والحياء منه والتحرج من غضبه . . أنكر أن يقال له هذا القول ؛ واستكبر أن يوجه إلى التقوى ؛ وتعاظم أن يؤخذ عليه خطأ وأن يوجه إلى صواب . وأخذته العزة لا بالحق ولا بالعدل ولا بالخير ولكن( بالإثم ) . . فاستعز بالإجرام والذنب والخطيئة ، ورفع رأسه في وجه الحق الذي يذكر به ، وامام الله بلا حياء منه ؛ وهو الذي كان يشهد الله على ما في قلبه ؛ ويتظاهر بالخير والبر والإخلاص والتجرد والاستحياء !
إنها لمسة تكمل ملامح الصورة ، وتزيد في قسماتها وتمييزها بذاتها . . وتدع هذا النموذج حيا يتحرك . تقول في غير تردد : هذا هو . هذا هو الذي عناه القرآن ! وأنت تراه أمامك ماثلا في الأرض الآن وفي كل آن !
وفي مواجهة هذا الاعتزاز بالإثم ؛ واللدد في الخصومة ؛ والقسوة في الفساد ؛ والفجور في الإفساد . . في مواجهة هذا كله يجبهه السياق باللطمة اللائقة بهذه الجبلة النكدة :
( فحسبه جهنم ، ولبئس المهاد ! ) . .
حسبه ! ففيها الكفاية ! جهنم التي وقودها الناس والحجارة . جهنم التي يكبكب فيها الغاوون وجنود إبليس أجمعون . جهنم الحطمة التي تطلع على الأفئدة . جهنم التي لا تبقي ولا تذر . جهنم التي تكاد تميز من الغيظ ! حسبه جهنم ( ولبئس المهاد ! )ويا للسخرية القاصمة في ذكر( المهاد )هنا . . ويا لبؤس من كان مهاده جهنم بعد الاعتزاز والنفخة والكبرياء !
وقوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ } أي : إذا وُعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله ، وقيل له : اتق الله ، وانزع عن قولك وفعلك ، وارجع إلى الحق - امتنع وأبى ، وأخذته الحميَّة والغضب بالإثم ، أي : بسبب ما اشتمل عليه من الآثام ، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [ الحج : 72 ] ، ولهذا قال في هذه الآية : { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } أي : هي كافيته عقوبة في ذلك .
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ( 206 )
وقوله تعالى : { وإذا قيل له اتق الله } الآية ، هذه صفة الكافر أو المنافق الذاهب بنفسه زهواً ، ويكره للمؤمن أن يوقعه الحرج في نحو هذا .
وقال بعض العلماء : كفى بالمرء إثماً أن يقول له أخوه اتق الله فيقول له : عليك نفسك ، مثلك يوصيني ؟ . والعزة هنا المنعة وشدة النفس ، أي اعتز في نفسه وانتحى( {[1933]} ) فأوقعته تلك العزة في الإثم حين أخذته به وألزمته إياه ، ويحتمل لفظ الآية أن يكون أخذته العزة مع الإثم ، فمعنى الباء يختلف بحسب التأويلين( {[1934]} ) ، و { حسبه } أي كافيه معاقبة وجزاء ، كما تقول للرجل كفاك ما حل بك ، وأنت تستعظم وتعظم عليه ما حل به ، و { المهاد } ما مهد الرجل لنفسه كأنه الفراش ، ومن هذا الباب( {[1935]} ) قول الشاعر : [ الوافر ]
تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ( {[1936]} ) . . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.