تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

{ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } أي : لا يمس القرآن إلا الملائكة الكرام ، الذين طهرهم الله تعالى من الآفات ، والذنوب والعيوب ، وإذا كان لا يمسه إلا المطهرون ، وأن أهل الخبث والشياطين ، لا استطاعة لهم ، ولا يدان إلى مسه ، دلت الآية بتنبيهها{[973]}  على أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر ، كما ورد بذلك الحديث ، ولهذا قيل أن الآية خبر بمعنى النهي أي : لا يمس القرآن إلا طاهر .


[973]:- في ب: تنيها.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

57

( لا يمسه إلا المطهرون ) . . فقد زعم المشركون أن الشياطين تنزلت به . فهذا نفي لهذا الزعم . فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون في علم الله وحفظه . إنما تنزل به الملائكة المطهرون . . وهذا الوجه هو أظهر الوجوه في معنى( لا يمسه إلا المطهرون ) . ف( لا )هنا نافية لوقوع الفعل . وليست ناهية . وفي الأرض يمس هذا القرآن الطاهر والنجس . والمؤمن والكافر ، فلا يتحقق النفي على هذا الوجه . إنما يتحقق بصرف المعنى إلى تلك الملابسة . ملابسة قولهم : تنزلت به الشياطين . ونفي هذا الزعم إذ لا يمسه في كتابه السماوي المكنون إلا المطهرون . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

قال ابن جرير : حدثني إسماعيل بن موسى{[28152]} ، أخبرنا شريك ، عن حكيم - هو ابن جبير - عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } قال : الكتاب الذي في السماء .

وقال العَوْفِيّ ، عن ابن عباس : { [ لا يَمَسُّهُ ] إِلا الْمُطَهَّرُونَ } {[28153]} يعني : الملائكة . وكذا قال أنس ، ومجاهد ، وعِكْرِمَة ، وسعيد بن جُبَيْر ، والضحاك ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد ، وأبو نَهِيك ، والسُّدِّيّ ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، حدثنا معمر ، عن قتادة : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } قال : لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافق الرجس . وقال : وهي في قراءة ابن مسعود : { مَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } .

وقال أبو العالية : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } ليس أنتم أصحاب الذنوب .

وقال ابن زيد : زَعَمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين ، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون كما قال : { وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ . وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ . إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [ الشعراء : 210 - 212 ] .

وهذا القول قول جيد ، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله .

وقال الفراء : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به .

وقال آخرون : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } أي : من الجنابة والحدث . قالوا : ولفظ الآية خبر ومعناها الطلب ، قالوا : والمراد بالقرآن هاهنا المصحف ، كما روى مسلم ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، مخافة أن يناله العدو{[28154]} . واحتجوا في ذلك بما رواه الإمام مالك في موطئه ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزم : أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : ألا يمس القرآن إلا طاهر{[28155]} . وروى أبو داود في المراسيل ، من حديث الزهري قال : قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ولا يمس القرآن إلا طاهر " {[28156]} .

وهذه وِجَادةٌ جيدة . قد قرأها الزهري وغيره ، ومثل هذا ينبغي{[28157]} الأخذ به . وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم ، وعبد الله بن عمر ، وعثمان بن أبي العاص ، وفي إسناد كل منها نظر{[28158]} ، والله أعلم .


[28152]:- (3) في م، أ: "موسى ابن إسماعيل".
[28153]:- (4) زيادة من م.
[28154]:- (1) صحيح مسلم برقم (1869) وهو أيضا في صحيح البخاري برقم (2990).
[28155]:- (2) الموطأ (1/199).
[28156]:- (3) المراسيل برقم (257).
[28157]:- (4) في أ: "لا ينبغي".
[28158]:- (5) سنن الدار قطني (1/12، 122).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

لا يمسه إلا المطهرون لا يطلع على اللوح إلا المطهرون من الكدورات الجسمانية وهم الملائكة أو لا يمس القرآن إلا المطهرون من الأحداث فيكون نفيا بمعنى النهي أو لا يطلبه إلا المطهرون من الكفر وقرئ المتطهرون والمطهرون من أطهره بمعنى طهره والمطهرون أي أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم والإلهام .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

وجملة { لا يمسه إلا المطهرون } صفة ثانية ل { كتاب } .

و { المطهّرون } : الملائكة ، والمراد الطهارة النفسانية وهي الزكاء . وهذا قول جمهور المفسرين وفي « الموطأ » قال مالك : أحسن ما سمعت في هذه الآية { لا يمسه إلا المطهرون } أنها بمنزلة هذه الآية التي في عبس وتولى ( 11 16 ) قول الله تبارك وتعالى : { لكلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة اهـ . { يريد أن المطهرون } هم السفرة الكرام البررة وليسوا الناس الذين يتطهرون .

ومعنى المسّ : الأخذ وفي الحديث : « مَس من طيبة » ، أي أخذ . ويطلق المسّ على المخالطة والمطالعة قال يزيد بن الحكم الكلابي :

مسِسْنا من الآباء شيئاً فكلُّنا *** إلى حسَب في قومه غير واضع

قال المرزوقي في شرح هذا البيت من « الحماسة » : « مسسنا » يجوز أن يكون بمعنى أصبنا واختبرنا لأن المس باليد يقصد به الاختبار . ويجوز أن يكون بمعنى طلبنا اهـ . فالمعنى : أن الكتاب لا يباشر نقل ما يحتوي عليه لتبليغه إلا الملائكة .

والمقصود من هذا أن القرآن ليس كما يزعم المشركون قول كاهن فإنهم يزعمون أن الكاهن يتلقى من الجن والشياطين ما يسترِقونه من أخبار السماء بزعمهم ، ولا هو قول شاعر إذ كانوا يزعمون أن لكل شاعر شيطاناً يملي عليه الشعر ، ولا هو أساطير الأولين ، لأنهم يعنون بها الحكايات المكذوبة التي يَتلهى بها أهلُ الأسمار ، فقال الله : إن هذا القرآن مطابق لما عند الله الذي لا يشاهده إلا الملائكة المطهرون .