وحينئذ يتمنى التابعون أن يردوا إلى الدنيا فيتبرأوا من متبوعيهم ، بأن يتركوا الشرك بالله ، ويقبلوا على إخلاص العمل لله ، وهيهات ، فات الأمر ، وليس الوقت وقت إمهال وإنظار ، ومع هذا ، فهم كذبة ، فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، وإنما هو قول يقولونه ، وأماني يتمنونها ، حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم ، فرأس المتبوعين على الشر ، إبليس ، ومع هذا يقول لأتباعه لما قضي الأمر { إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ }
( وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا ) . .
وتبدى الحنق والغيظ من التابعين المخدوعين في القيادات الضالة . وتمنوا لو يردون لهم الجميل ! لو يعودون إلى الأرض فيتبرأوا من تبعيتهم لتلك القيادات العاجزة الضعيفة في حقيقتها ، التي خدعتهم ثم تبرأت منهم أمام العذاب !
إنه مشهد مؤثر : مشهد التبرؤ والتعادي والتخاصم بين التابعين والمتبوعين . بين المحبين والمحبوبين ! وهنا يجيء التعقيب الممض المؤلم :
( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ، وما هم بخارجين من النار ) . .
وقوله : { وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا } أي : لو أن لنا عَوْدة{[3042]} إلى الدار الدنيا حتى نَتَبَرَّأ من هؤلاء ومن عبادتهم ، فلا نلتفت إليهم ، بل نوحد الله وحده بالعبادة . وهم كاذبون في هذا ، بل لو رُدّوا لعادوا لما نهوا عنه . كما أخبر الله تعالى عنهم بذلك ؛ ولهذا قال : { كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } أي : تذهب وتضمحل كما قال الله تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } [ الفرقان : 23 ] .
وقال تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } الآية [ إبراهيم : 18 ] ، وقال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً } الآية [ النور : 39 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } .
{ وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا } { لو } للتمني ولذلك أجيب بالفاء ، أي ليت لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم { كذلك } مثل ذلك الآراء الفظيع . { يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم } ندامات ، وهي ثالث مفاعيل يرى أن كان من رؤية القلب وإلا فحال { وما هم بخارجين من النار } أصله وما يخرجون ، فعدل به إلى هذه العبارة ، للمبالغة في الخلود والأقناط عن الخلاص والرجوع إلى الدنيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.