تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (44)

فأرى اللّه المؤمنين عدوهم قليلا في أعينهم ، ويقللكم - يا معشر المؤمنين - في أعينهم ، فكل من الطائفتين ترى الأخرى قليلة ، لتقدم كل منهما على الأخرى .

{ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ْ } من نصر المؤمنين وخذلان الكافرين وقتل قادتهم ورؤساء الضلال منهم ، ولم يبق منهم أحد له اسم يذكر ، فيتيسر بعد ذلك انقيادهم إذا دعوا إلى الإسلام ، فصار أيضا لطفا بالباقين ، الذين مَنَّ اللّه عليهم بالإسلام .

{ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ْ } أي : جميع أمور الخلائق ترجع إلى اللّه ، فيميز الخبيث من الطيب ، ويحكم في الخلائق بحكمه العادل ، الذي لا جور فيه ولا ظلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (44)

41

وبعد هذا التعقيب الذي يتوسط استعراض المعركة وأحداثها وملابساتها يمضي السياق في هذا الاستعراض ؛ ويكشف التدبير الخفي اللطيف :

( إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ، ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر . ولكن الله سلم . إنه عليم بذات الصدور ) . .

ولقد كان من تدبير الله في المعركة أن يرى رسول الله [ ص ] الكافرين في الرؤيا في منامه قليلاً لا قوة لهم ولا وزن . فينبئ أصحابه برؤياه ، فيستبشروا بها ويتشجعوا على خوض المعركة . . ثم يخبر الله هنا لم أراهم لنبيه قليلاً . فلقد علم - سبحانه - أنه لو أراهم له كثيراً ، لفت ذلك في قلوب القلة التي معه ، وقد خرجت على غير استعداد ولا توقع لقتال ، ولضعفوا عن لقاء عدوهم ؛ وتنازعوا فيما بينهم على ملاقاتهم : فريق يرى أن يقاتلهم وفريق يرى تجنب الالتحام بهم . . وهذا النزاع في هذا الظرف هو أبأس ما يصيب جيشاً يواجه عدواً !

( ولكن الله سلم . إنه عليم بذات الصدور ) . .

ولقد كان - سبحانه - يعلم بذوات الصدور ؛ فلطف بالعصبة المسلمة أن يعرضها لما يعلمه من ضعفها في ذلك الموقف ؛ فأرى نبيه المشركين في رؤياه قليلاً ، ولم يرهم إياه كثيراً . .

والرؤيا صادقة في دلالتها الحقيقية . فقد رآهم رسول الله [ ص ] قليلاً . . وهم كثير عددهم ، ولكن قليل غناؤهم ، قليل وزنهم في المعركة ، قلوبهم خواء من الإدراك الواسع ، والإيمان الدافع ، والزاد النافع . . وهذه الحقيقة الواقعة - من وراء الظاهر الخادع - هي التي أراها الله لرسوله ؛ فأدخل بها الطمأنينة على قلوب العصبة المسلمة . والله عليم بسرائرهم ، مطلع على قلة عددهم وضعف عدتهم ، وما تحدثه في نفوسهم لو عرفوا كثرة عدوهم ، من ضعف عن المواجهة ؛ وتنازع على الالتحام أو الإحجام . وكان هذا تدبيراً من تدبير الله العليم بذات الصدور .

وحينما التقى الجمعان وجهاً لوجه ، تكررت الرؤيا النبوية الصادقة ، في صورة عيانية من الجانبين ؛ وكان هذا من التدبير الذي يذكرهم الله به ؛ عند استعراض المعركة وأحداثها وما وراءها .

( وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ، ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، وإلى الله ترجع الأمور ) . .

ولقد كان في هذا التدبير الإلهي ما أغرى الفريقين بخوض المعركة . . والمؤمنون يرون أعداءهم قليلاً ، لأنهم يرونهم بعين الحقيقة ! - والمشركون يرونهم قليلاً - وهم يرونهم بعين الظاهر - ومن وراء الحقيقتين اللتين رأى كل فريق منهما صاحبه بها ، تحققت غاية التدبير الإلهي ؛ ووقع الأمر الذي جرى به قضاؤه . . ( وإلى الله ترجع الأمور )

وهو التعقيب المناسب لتحقق التدبير ووقوع القضاء . . . فهو أمر من الأمور التي مرجعها لله وحده ، يصرفها بسلطانه ، ويوقعها بإرادته ، ولا تند عن قدرته وحكمه . ولا ينفذ شيء في الوجود إلا ما قضاه وأجرى به قدره .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (44)

وقوله : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا } وهذا أيضًا من لطفه تعالى بهم ، إذ أراهم إياهم قليلا في رأي العين ، فيجرؤهم عليهم ، ويطمعهم فيهم .

قال أبو إسحاق السَّبِيعي ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : لقد قُلِّلُوا في أعيننا يوم بدر ، حتى قلت لرجل إلى جانبي : تراهم سبعين ؟ قال : لا بل [ هم ]{[13031]} مائة ، حتى أخذنا رجلا منهم فسألناه ، قال{[13032]} كنا ألفا . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير{[13033]}

وقوله : { وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ } قال ابن أبي حاتم : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن الزبير بن الخرِّيت{[13034]} عن{[13035]} عكرمة : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ } قال : حضض بعضهم على بعض .

إسناد صحيح .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه في قوله تعالى : { لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا } أي : ليلقي بينهم الحرب ، للنقمة ممن أراد الانتقام منه ، والإنعام على من أراد تمام النعمة عليه من أهل ولايته .

ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كلا من الفريقين بالآخر ، وقلَّله في عينه ليطمع فيه ، وذلك عند المواجهة . فلما التحم القتال وأيد الله المؤمنين بألف من الملائكة مردفين ، بقي حزب الكفار يرى حزب الإيمان ضعفيه ، كما قال تعالى : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّفِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ } [ آل عمران : 13 ] ، وهذا هو الجمع بين هاتين الآيتين ، فإن كلا منها{[13036]} حق وصدق ، ولله الحمد والمنة .


[13031]:زيادة من د، م.
[13032]:في د: "فقال".
[13033]:تفسير الطبري (13/572).
[13034]:في د: "الحارث".
[13035]:في د: "وعن".
[13036]:في د، م، أ: "منهما".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (44)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِيَ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلّلُكُمْ فِيَ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ } .

يقول تعالى ذكره : وإن الله لسميع عليم إذ يُرى الله نبيه في منامه المشركين قليلاً ، وإذ يريهم الله المؤمنين إذ لقوهم في أعينهم قليلاً ، وهم كثير عددهم ، ويقلل المؤمنين في أعينهم ، ليتركوا الاستعداد لهم فيهون على المؤمنين شوكتهم . كما :

حدثني ابن بزيع البغدادي ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لقد قُللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي : تراهم سبعين ؟ قال أراهم مئة . قال : فأسرنا رجلاً منهم ، فقلنا : كم هم ؟ قال : كنا ألفا .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بنحوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : إذْ يُرِيكَمُوهُمْ إذِ الْتَقَيْتُمْ في أعْيُنِكُمْ قَلِيلاً قال ابن مسعود : قُللوا في أعيننا حتى قلت لرجل : أتراهم يكونون مئة ؟

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال ناس من المشركين : إن العير قد انصرفت فارجعوا فقال أبو جهل : الاَن إذ برز لكم محمد وأصحابه ؟ فلا ترجعوا حتى تستأصلوهم وقال : يا قوم لا تقتلوهم بالسلاح ، ولكن خذوهم أخذا ، فاربطوهم بالحبال يقوله من القدرة في نفسه .

وقوله : لِيَقْضِيَ اللّهُ أمْرا كانَ مَفْعُولاً يقول جلّ ثناؤه : قللتكم أيها المؤمنون في أعين المشركين وأريتكموهم في أعينكم قليلاً حتى يقضي الله بينكم ما قضي من قتال بعضكم بعضا ، وإظهاركم أيها المؤمنون على أعدائكم من المشركين والظفر بهم ، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ، وذلك أمر كان الله فاعله وبالغا فيه أمره . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : لِيَقْضِيَ اللّهُ أمْرا كانَ مَفْعُولاً أي ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته . وَإلى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ يقول جلّ ثناؤه : مصير الأمور كلها إليه في الاَخرة ، فيجازي أهلها على قدر استحقاقهم المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (44)

وقوله { وإذ يريكموهم إذا التقيتم } الآية ، { وإذ } عطف على الأولى ، وهذه الرؤية هي في اليقظة بإجماع ، وهي الرؤية التي كانت حين التقوا ووقعت العين على العين ، والمعنى أن الله تعالى لما أراد من إنفاذ قضائه في نصرة الإسلام وإظهاره قلل كل طائفة في عيون الأخرى ، فوقع الخلل في التخمين والحزر{[5385]} الذي يستعمله الناس في هذا التجسد كل طائفة على الأخرى وتتسبب أسباب الحرب ، وري في هذا عن عبد الله بن مسعود أنه قال : لقد قلت ذلك اليوم لرجل إلى جنبي أتظنهم سبعين ؟ قال بل هم مائة ، قال فلما هزمناهم أسرنا منهم رجلاً فقلنا كم كنتم ؟ قال ألفاً .

قال القاضي أبو محمد : ويرد على هذا المعنى في التقليل ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأل عما ينحرون كل يوم ، فأخبر أنهم يوماً عشراً ويوماً تسعاً ، قال هم ما بين التسعمائة إلى الألف ، فإما أن عبد الله ومن جرى مجراه لم يعلم بمقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإما أن نفرض التقليل الذي في الآية تقليل القدر والمهابة والمنزلة من النجدة ، وتقدم في مثل قوله { ليقضي الله أمراً كان مفعولاً } والأمر المفعول المذكور في الآيتين هو للقصة بأجمعها ، وذهب بعض الناس إلى أنهما لمعنيين من معاني القصة والعموم أولى ، وقوله { وإلى الله ترجع الأمور } تنبيه على أن الحول بأجمعه لله وأن كل أمر فله وإليه ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر والأعمش «تَرجِع » بفتح التاء وكسر الجيم ، قال أبو حاتم : وهي قراءة عامة الناس ، وقرأ الأعرج وابن كثير وأبو عمرو ونافع وغيرهم «تُرجَع » بضم التاء وفتح الجيم .


[5385]:- حزر الشيء: تقديره بالتخمين.