تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

{ 25 } { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا }

أي : ربكم تعالى مطلع على ما أكنته سرائركم من خير وشر وهو لا ينظر إلى أعمالكم وأبدانكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وما فيها من الخير والشر .

{ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ } بأن تكون إرادتكم ومقاصدكم دائرة على مرضاة الله ورغبتكم فيما يقربكم إليه وليس في قلوبكم إرادات مستقرة لغير الله .

{ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ } أي : الرجاعين إليه في جميع الأوقات { غَفُورًا } فمن اطلع الله على قلبه وعلم أنه ليس فيه إلا الإنابة إليه ومحبته ومحبة ما يقرب إليه فإنه وإن جرى منه في بعض الأوقات ما هو مقتضى الطبائع البشرية فإن الله يعفو عنه ويغفر له الأمور العارضة غير المستقرة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

22

ولأن الانفعالات والحركات موصولة بالعقيدة في السياق ، فإنه يعقب على ذلك برجع الأمر كله لله الذي يعلم النوايا ، ويعلم ما وراء الأقوال والأفعال :

( ربكم أعلم بما في نفوسكم ، إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا ) .

وجاء هذا النص قبل أن يمضي في بقية التكاليف والواجبات والآداب ليرجع إليه كل قول وكل فعل ؛ وليفتح باب التوبة والرحمة لمن يخطيء أو يقصر ، ثم يرجع فيتوب من الخطأ والتقصير

وما دام القلب صالحا ، فإن باب المغفرة مفتوح . والأوابون هم الذين كلما أخطأوا عادوا إلى ربهم مستغفرين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

قال سعيد بن جبير : هو الرجل تكون{[17416]} منه البادرة إلى أبويه ، وفي نيته وقلبه أنه لا يؤخذ به - وفي رواية : لا يريد إلا الخير بذلك - فقال : { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ }

وقوله [ تعالى ]{[17417]} : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال قتادة : للمطيعين أهل الصلاة .

وعن ابن عباس : المسبحين . وفي رواية عنه : المطيعين المحسنين .

وقال بعضهم : هم الذين يصلون بين العشاءين . وقال بعضهم : هم الذين يصلون الضحى{[17418]} .

وقال شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب في قوله : { [ فَإِنَّهُ ]{[17419]} كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال : الذي يصيب الذنب ثم يتوب ، ويصيب الذنب ثم يتوب .

وكذا رواه عبد الرزاق ، عن الثوري ومعمر ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب نحوه ، وكذا رواه الليث وابن جريج ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن ]{[17420]} المسيب ، به وكذا قال عطاء بن يسار .

وقال مجاهد ، وسعيد بن جبير : هم الراجعون إلى الخير .

وقال مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال : هو الذي إذا ذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله منها . ووافقه على ذلك مجاهد{[17421]} .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن عبيد بن عمير ، في قوله : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال : كنا نعد الأواب الحفيظ ، أن يقول : اللهم اغفر لي ما أصبت{[17422]} في مجلسي هذا{[17423]} .

وقال ابن جرير : والأولى في ذلك قول من قال : هو التائب من الذنب ، الراجع عن المعصية إلى الطاعة ، مما يكره الله إلى ما يحبه ويرضاه{[17424]} .

وهذا الذي قاله هو الصواب ؛ لأن الأواب مشتق من الأوب وهو الرجوع ، يقال : آب فلان إذا رجع ، قال الله تعالى : { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ } [ الغاشية : 25 ] ، وفي الحديث الصحيح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع من سفر قال{[17425]} : آيبون تائبون عابدون ، لربنا حامدون " {[17426]} .


[17416]:في ت، ف: "يكون".
[17417]:زيادة من ت.
[17418]:في ت: "الصبح".
[17419]:في ت، ف: "إنه" وهو خطأ.
[17420]:زيادة من ف.
[17421]:في ف: "ووافقه مجاهد في ذلك".
[17422]:في ت: "ما أحببت".
[17423]:تفسير عبد الرزاق (1/320).
[17424]:تفسير الطبري (15/52).
[17425]:في ف، أ: "يقول".
[17426]:رواه البخاري في صحيحه برقم (1797) من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

القول في تأويل قوله تعالى { رّبّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنّهُ كَانَ لِلأوّابِينَ غَفُوراً } .

يقول تعالى ذكره رَبّكُمْ أيها الناس أعْلَمُ منكم بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ من تعظيمكم أمر آبائكم وأمهاتكم وتكرمتهم ، والبرّ بهم ، وما فيها من اعتقاد الاستخفاف بحقوقهم ، والعقوق لهم ، وغير ذلك من ضمائر صدوركم ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ، وهو مجازيكم على حَسَن ذلك وسيّئه ، فاحذروا أن تُضمروا لهم سوءا ، وتعقِدوا لهم عقوقا . وقوله إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ يقول : إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم ، وأطعتم الله فيما أمركم به من البرّ بهم ، والقيام بحقوقهم عليكم ، بعد هفوة كانت منكم ، أو زلة في واجب لهم عليكم مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه ، فإنه كان للأوّابين بعد الزّلة ، والتائبين بعد الهَفْوة غفورا لهم . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبي وعمي عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير رَبّكُمْ أعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ قال : البادرة تكون من الرجل إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير ، فقال : ربّكُمْ أعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ .

حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرني أبي ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، بمثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو ، عن حبيب بن أبي ثابت ، في قوله فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه وفي نيته وقلبه أنه لا يؤاخَذ به .

واختلف أهل التأويل ، في تأويل قوله : فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا فقال بعضهم : هم المسبّحون . ذكر من قال ذلك :

حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة وحدثني ابن سنان القزاز ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فإنّهُ كانَ للأوّابِينَ غَفُورا قال : المسبحين .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا أبو خيثمة زهير ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عمرو بن شرحبيل ، قال : الأوّاب : المسبح .

وقال آخرون : هم المطيعون المحسنون . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا يقول : للمطيعين المحسنين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : هم المطيعون ، وأهل الصلاة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فإنه كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : للمطيعين المصلين .

وقال آخرون : بل هم الذين يصلون بين المغرب والعشاء . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن أبي صخر حميد بن زياد ، عن ابن المنكدر يرفعه فإنّهُ كان للأَوّابِينَ غَفُورا قال : الصلاة بين المغرب والعشاء .

وقال آخرون : هم الذين يصلّون الضّحَى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا رباح أبو سليمان الرقاء ، قال : سمعت عونا العُقيليّ يقول في هذه الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : الذين يصلون صلاة الضحى .

وقال آخرون : بل هو الراجع من ذنبه ، التائب منه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن الوليد القرشيّ ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب أنه قال في هذه الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : الذي يصيب الذنب ثم يتوب ثم يصيب الذنب ثم يتوب .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا سليمان بن داود ، عن شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : هو الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب في هذا الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا .

حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، أنه سمع سعيد بن المسيب يُسْأَل عن هذه الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : هو الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني جرير بن حازم ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، بنحوه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن سعيد بن المسيب ، بنحوه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : هو العبد يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : فذكر مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزّاق ، قال : أخبرنا الثّوريّ ومعمر ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب ، قال : الأوّاب : الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : الراجعين إلى الخير .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد وأبو داود وهشام ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، بنحوه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، جميعا عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير فإنّهُ كان للأوّابِين غَفُورا قال : الذي يذكر ذنوبه في الخلاء ، فيستغفر الله منها .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : الأوّاب : الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله منها .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، أنه قال في هذه الاَية إنّهُ كان للأوّابِينَ غَفُورا قال : الذي يذكر ذنبه ثم يتوب .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله جلّ ثناؤه للأوّابِين غَفُورا قال : الأوّابون : الراجعون التائبون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

قال ابن جريج ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب : الرجل يذنب ثم يتوب ثلاثا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، قوله فإنّه كان للأوّابِين غَفُورا قال : الذي يتذكر ذنوبه ، فيستغفر الله لها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن شريح ، عن عقبة بن مسلم ، عن عطاء بن يسار ، أنه قال في قوله فإنّهُ كان للأوّابِين غَفُورا يذنب العبد ثم يتوب ، فيتوب الله عليه ثم يذنب فيتوب ، فيتوب الله عليه ثم يذنب الثالثة ، فإن تاب ، تاب الله عليه توبة لا تُمْحَى .

وقد رُوي عن عبيد بن عمير ، غير القول الذي ذكرنا عن مجاهد ، وهو ما :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن عبيد بن عمير ، في قوله فإنّهُ كان للأوّابِين غَفُورا قال : كنا نَعُدّ الأوّاب : الحفيظ ، أن يقول : اللهمّ اغفر لي ما أصبت في مجلسي هذا .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : الأوّاب : هو التائب من الذنب ، الراجع من معصية الله إلى طاعته ، ومما يكرهه إلى ما يرضاه ، لأن الأوّاب إنما هو فعّال ، من قول القائل : آب فلان من كذا إما من سفره إلى منزله ، أو من حال إلى حال ، كما قال عبَيد بن الأبرص :

وكُلّ ذِي غَيْبَةٍ يَئُوبُ *** وغائِبُ المَوْتِ لا يَئُوبُ

فهو يئوب أوبا ، وهو رجل آئب من سفره ، وأوّاب من ذنوبه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

{ ربكم أعلم بما في نفوسكم } من قصد البر أليهما واعتقاد ما يجب لهما من التوقير ، وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالا . { إن تكونوا صالحين } قاصدين للصلاح . { فإنه كان للأوّابين } للتوابين . { غفورا } ما فطر منهم عند حرج الصدر من أذية أو تقصير ، وفيه تشديد عظيم ، ويجوز أن يكون عاما لكل تائب ، ويندرج فيه الجاني على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

وقوله { ربكم أعلم بما في نفوسكم } أي من اعتقاد الرحمة بهما والحنو عليهما أو من غير ذلك ، ويجعلون ظاهر برهما رياء ، ثم وعد في آخر الآية بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة إلى طاعة الله ، واختلفت عبارة الناس في { الأوابين } ، فقالت فرقة هم المصلحون ، وقال ابن عباس : هم المسبحون ، وقال أيضاً : هم المطيعون المحسنون ، وقال ابن المنكدر{[7530]} : هم الذين يصلون العشاء والمغرب ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في ذلك الوقت فقال : «تلك صلاة الأوابين »{[7531]} ، وقيل غير هذا من المستغفرين ونحوه ، وقال عون العقيلي{[7532]} : هم الذين يصلون صلاة الضحى ، وحقيقة اللفظة أنه من آب يؤوب إذا رجع ، وهؤلاء كلهم لهم رجوع أبداً إلى طاعة الله تعالى ، ولكنها لفظة لزم عرفها أهل الصلاح ، قال ابن المسيب هو العبد يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ، وفسر الجمهور { الأوابين } بالرجاعين إلى الخير ، وقال ابن جبير : أراد بقوله غفوراً للأوابين الزلة والفلتة تكون من الرجل إلى أحد أبويه ، وهو لم يصر عليها بقلبه ولا علمها الله من نفسه ، وقالت فرقة «خفض الجناح » هو ألا يمتنع من شيء يريدانه .


[7530]:هو محمد بن عبد الله بن الهدير – بالتصغير- التيمي، المدني، ثقة حافظ، مات سنة ثلاثين أو بعدها. (تقريب التهذيب).
[7531]:الحديث أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره، عن ابن المنكدر، وقال عنه: إنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن في صحيح مسلم، وفي مسند أحمد عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، قال النووي في شرح صحيح مسلم: "هو بفتح التاء والميم، يقال: رمض يرمض كعلم يعلم، والرمضاء: الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس، والمعنى: حين تحترق أخفاف الفصال، وهي الصغار من أولاد الإبل، جمع فصيل".
[7532]:هو عون بن أبي شداد العقيلي، وقيل: العبدي، أبو معمر البصري، مقبول، من الخامسة. (تقريب التهذيب).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

تذييل لآية الأمر بالإحسان بالوالدين وما فصل به ، وما يقتضيه الأمر من اختلاف أحوال المأمورين بهذا الأمر قبل وروده بين موافق لمقتضاه ومفرط فيه ، ومن اختلاف أحوالهم بعد وروده من محافظ على الامتثال ، ومقصر عن قصد أو عن بادرة غفلة .

ولما كان ما ذكر في تضاعيف ذلك وما يقتضيه يعتمد خلوص النية ليجري العمل على ذلك الخلوص كاملاً لا تكلف فيه ولا تكاسل ، فلذلك ذيله بأنه المطلع على النفوس والنوايا ، فوعد الولد بالمغفرة له إن هو أدى ما أمره الله به لوالديه وافياً كاملاً . وهو مما يشمله الصلاح في قوله : { إن تكونوا صالحين } أي ممتثلين لما أمرتم به . وغير أسلوب الضمير فعاد إلى ضمير جمع المخاطبين لأن هذا يشترك فيه الناس كلهم فضمير الجمع أنسب به .

ولما شمل الصلاح الصلاح الكامل والصلاح المشوب بالتقصير ذيله بوصف الأوابين المفيد بعمومه معنى الرجوع إلى الله ، أي الرجوع إلى أمره وما يرضيه ، ففهم من الكلام معنى احتباك بطريق المقابلة . والتقدير إن تكونوا صالحين أوابين إلى الله فإنه كان للصالحين محسناً وللأوابين غفوراً . وهذا يعم المخاطبين وغيرهم ، وبهذا العموم كان تذييلاً .

وهذا الأوْب يكون مطرداً ، ويكون معرضاً للتقصير والتفريط ، فيقتضي طلب الإقلاع عما يخرمه بالرجوع إلى الحالة المرضية ، وكل ذلك أوْب وصاحبه آيِب ، فصيغ له مثال المبالغة ( أواب ) لصلوحية المبالغة لقوة كيفية الوصف وقوة كميته . فالملازم للامتثال في سائر الأحوال المراقب لنفسه أواب لشدة محافظته على الأوبة إلى الله ، والمغلوب بالتفريط يؤوب كلما راجع نفسه وذكر ربه ، فهو أواب لكثرة رجوعه إلى أمر ربه ، وكل من الصالحين .

وفي قوله : { ربكم أعلم بما في نفوسكم } ما يشمل جميع أحوال النفوس وخاصة حالة التفريط وبوادر المخالفة . وهذا من رحمة الله تعالى بخلقه .

وقد جمعت هذه الآية مع إيجازها تيسيراً بعد تعسير مشوباً بتضييق وتحذير ليكون المسلم على نفسه رقيباً .