{ و } مع هذا { لَوْ شَاءَ اللَّهُ } لجعل الناس ، أي : جعل الناس { أُمَّةً وَاحِدَةً } على الهدى ، لأنه القادر الذي لا يمتنع عليه شيء ، ولكنه أراد أن يدخل في رحمته من شاء من خواص خلقه .
وأما الظالمون الذين لا يصلحون لصالح ، فإنهم محرومون من الرحمة ، ف { مَا لَهُمْ } من دون الله { مِنْ وَلِيٍّ } يتولاهم ، فيحصل لهم المحبوب { وَلَا نَصِيرٍ } يدفع عنهم المكروه .
( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة . ولكن يدخل من يشاء في رحمته ، والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ) . .
فلو شاء الله لخلق البشر خلقة أخرى توحد سلوكهم ، فتوحد مصيرهم ، إما إلى جنة وإما إلى نار . ولكنه - سبحانه - خلق هذا الإنسان لوظيفة . خلقه للخلافة في هذه الأرض . وجعل من مقتضيات هذه الخلافة ، على النحو الذي أرادها ، أن تكون للإنسان استعدادات خاصة بجنسه ، تفرقه عن الملائكة وعن الشياطين ، وعن غيرهما من خلق الله ذوي الطبيعة المفردة الموحدة الاتجاه . استعدادات يجنح بها ومعها فريق إلى الهدى والنور والعمل الصالح ؛ ويجنح بها ومعها فريق إلى الضلال والظلام والعمل السِّيى ء كل منهما يسلك وفق أحد الاحتمالات الممكنة في طبيعة تكوين هذا المخلوق البشري ؛ وينتهي إلى النهاية المقررة لهذا السلوك : ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) . . وهكذا : ( يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ) . . وفق ما يعلمه الله من حال هذا الفريق وذاك ، واستحقاقه للرحمة بالهداية أو استحقاقه للعذاب بالضلال .
ولقد سبق أن بعضهم يتخذ من دون الله أولياء . فهو يقرر هنا أن الظالمين : ( ما لهم من ولي ولا نصير ) . . فأولياؤهم الذين يتخذونهم لا حقيقة لهم إذن ولا وجود .
وقوله : { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي : إما على الهداية أو على الضلالة ، ولكنه تعالى فاوت بينهم ، فهدى من يشاء{[25791]} إلى الحق ، وأضل من يشاء عنه ، وله الحكمة والحجة البالغة ؛ ولهذا قال : { وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ }
وقال : ابن جرير : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي سويد ، حدثه عن ابن حجيرة : أنه بلغه {[25792]} أن موسى ، عليه السلام ، قال : : يا رب خَلقُك الذين{[25793]} خلقتهم ، جعلت منهم فريقا في الجنة وفريقا في النار ، لو ما أدخلتهم كلهم الجنة ؟ ! فقال : يا موسى ، ارفع ذَرْعك . فرفع ، قال : قد رفعت . قال : ارفع . فرفع ، فلم يترك شيئا ، قال : يا رب قد رفعت ، قال : ارفع . قال : قد رفعت ، إلا ما لا خير فيه . قال : كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة ، إلا ما لا خير فيه .
وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَلََكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظّالِمُونَ مَا لَهُمْ مّن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ
يقول تعالى ذكره : ولو أراد الله أن يجمع خلقه على هدى ، ويجعلهم على ملة واحدة لفعل ، ولجعلهم أمة واحدة يقول : أهل ملة واحدة ، وجماعة مجتمعة على دين واحد وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ يقول : لم يفعل ذلك فيجعلهم أمة واحدة ، ولكن يُدخل من يشاء ، من عباده في رحمته ، يعني أنه يُدخله في رحمته بتوفيقه إياه للدخول في دينه ، الذي ابتعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وَالظّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيّ وَلا نَصِيرٍ يقول : والكافرون بالله ما لهم من وليّ يتولاهم يوم القيامة ، ولا نصير ينصرهم من عقاب الله حين يعاقبهم ، فينقذهم من عذابه ، ويقتصّ لهم ممن عاقبهم ، وإنما قيل هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسلية له عما كان يناله من الهمّ بتولية قومه عنه ، وأمراً له بترك إدخال المكروه على نفسه من أجل إدبار من أدبر عنه منهم ، فلم يستجب لما دعاه إليه من الحقّ ، وإعلاماً له أن أمور عباده بيده ، وأنه الهادي إلى الحقّ من شاء ، والمضلّ من أراد دونه ، ودون كلّ أحد سواه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.