{ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } أي : كل خبيث من الرجال والنساء ، والكلمات والأفعال ، مناسب للخبيث ، وموافق له ، ومقترن به ، ومشاكل له ، وكل طيب من الرجال والنساء ، والكلمات والأفعال ، مناسب للطيب ، وموافق له ، ومقترن به ، ومشاكل له ، فهذه كلمة عامة وحصر ، لا يخرج منه شيء ، من أعظم مفرداته ، أن الأنبياء -خصوصا أولي العزم منهم ، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء ، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو المقصود بهذا الإفك ، من قصد المنافقين ، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم ، يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح .
فكيف وهي هي ؟ " صديقة النساء وأفضلهن وأعلمهن وأطيبهن ، حبيبة رسول رب العالمين ، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها ، ثم صرح بذلك ، بحيث لا يبقى لمبطل مقالا ، ولا لشك وشبهة مجالا ، فقال : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا ، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ } تستغرق الذنوب { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } في الجنة صادر من الرب الكريم .
ويختم الحديث عن حادث الإفك ببيان عدل الله في اختياره الذي ركبه في الفطرة ، وحققه في واقع الناس . وهو أن تلتئم النفس الخبيثة بالنفس الخبيثة ، وأن تمتزج النفس الطيبة بالنفس الطيبة . وعلى هذا تقوم العلاقات بين الأزواج . وما كان يمكن أن تكون عائشة - رضي الله عنها - كما رموها ، وهي مقسومة لأطيب نفس على ظهر هذه الأرض :
الخبيثات للخبيثين ، والخبيثون للخبيثات . والطيبات للطيبين ، والطيبون للطيبات . أولئك مبرأون مما يقولون ، لهم مغفرة ورزق كريم . .
ولقد أحبت نفس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عائشة حبا عظيما . فما كان يمكن أن يحببها الله لنبيه المعصوم ، إن لم تكن طاهرة تستحق هذا الحب العظيم .
أولئك الطيبون والطيبات ( مبرأون مما يقولون )بفطرتهم وطبيعتهم ، لا يلتبس بهم شيء مما قيل .
( لهم مغفرة ورزق كريم ) . . مغفرة عما يقع منهم من أخطاء . ورزق كريم . دلالة على كرامتهم عند ربهم الكريم .
بذلك ينتهي حديث الإفك . ذلك الحادث الذي تعرضت فيه الجماعة المسلمة لأكبر محنة . إذ كانت محنة الثقة في طهارة بيت الرسول ، وفي عصمة الله لنبيه أن يجعل في بيته إلا العنصر الطاهر الكريم . وقد جعلها الله معرضا لتربية الجماعة المسلمة ، حتى تشف وترف ؛ وترتفع إلى آفاق النور . . في سورة النور . .
قال ابن عباس : الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول . والطيبات من القول ، للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من القول . قال : ونزلت في عائشة وأهل الإفك .
وهكذا رُوي عن مجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جُبَير ، والشعبي ، والحسن بن أبي الحسن البصري ، وحبيب بن أبي ثابت ، والضحاك . واختاره ابن جرير ، ووجَّهَهُ بأن الكلام القبيح أولى بأهل القبح من الناس ، والكلام الطيب أولى بالطيبين من الناس ، فما نسبه أهل النفاق إلى عائشة هم
أولى به ، وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم ؛ ولهذا قال : { أُولَئِكَ{[20971]} مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء .
وهذا - أيضًا - يرجع إلى ما قاله أولئك باللازم ، أي : ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة ؛ لأنه أطيب من كل طيب من البشر ، ولو كانت خبيثة لما صلحت له ، لا شرعا ولا قدرا ؛ ولهذا قال : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } أي : هم بُعَداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان ، { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ } أي : بسبب ما قيل فيهم من الكذب ، { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } أي : عند الله في جنات النعيم . وفيه وعد بأن تكون زوجة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن مسلم ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن يزيد بن عبد الرحمن ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار قال : جاء أسير{[20972]} بن جابر إلى عبد الله فقال : لقد سمعت الوليد بن عقبة تكلم بكلام أعجبني . فقال عبد الله : إن الرجل المؤمن يكون في قلبه الكلمة غير طيبة{[20973]} تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ، فيسمعها{[20974]} رجل عنده يَتُلّها فيضمها إليه . وإن الرجل الفاجر يكون في قلبه الكلمة الطيبة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ، فيسمعها{[20975]} الرجل الذي عنده يَتُلُّها{[20976]} فيضمها إليه ، ثم قرأ عبد الله : { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } .
ويشبه هذا ما رواه الإمام أحمد في المسند مرفوعا : " مثل الذي يسمع الحكمة ثم لا يُحدِّث إلا بشرِّ ما سمع ، كمثل رجل جاء إلى صاحب غنم ، فقال : أجْزِرني شاة . فقال : اذهب فَخُذ بأذُن أيها شئتَ . فذهب فأخذ بأذن كَلْب الغنم " {[20977]} وفي الحديث الآخر : " الحكمة{[20978]} ضالة المؤمن حيث وجدها أخذها " {[20979]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.