تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ بَلِ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ فِي ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَٰلِ ٱلۡبَعِيدِ} (8)

فهذا الرجل الذي يأتي بذلك ، هل { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } فتجرأ عليه وقال ما قال ، { أَمْ بِهِ جِنَّةٌ } ؟ فلا يستغرب منه ، فإن الجنون فنون ، وكل هذا منهم ، على وجه العناد والظلم ، ولقد علموا ، أنه أصدق خلق اللّه وأعقلهم ، ومن علمهم ، أنهم أبدوا وأعادوا في معاداتهم ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم ، في صد الناس عنه ، فلو كان كاذبا مجنونا لم ينبغ لكم - يا أهل العقول غير الزاكية - أن تصغوا لما قال ، ولا أن تحتفلوا بدعوته ، فإن المجنون ، لا ينبغي للعاقل أن يلفت إليه نظره ، أو يبلغ قوله منه كل مبلغ .

ولولا عنادكم وظلمكم ، لبادرتم لإجابته ، ولبيتم دعوته ، ولكن { مَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } ولهذا قال تعالى : { بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } ومنهم الذين قالوا تلك المقالة ، { فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ } أي : في الشقاء العظيم ، والضلال البعيد ، الذي ليس بقريب من الصواب ، وأي شقاء وضلال ، أبلغ من إنكارهم لقدرة اللّه على البعث وتكذيبهم لرسوله الذي جاء به ، واستهزائهم به ، وجزمهم بأن ما جاءوا به هو الحق ، فرأوا الحق باطلا ، والباطل والضلال حقا وهدى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ بَلِ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ فِي ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَٰلِ ٱلۡبَعِيدِ} (8)

ويمضون في العجب والتعجيب ، والاستنكار والتشهير : ( أفترى على الله كذباً أم به جنة ? ) . . فما يقول مثل هذا الكلام - بزعمهم - إلا كاذب يفتري على الله ما لم يقله ، أو مسته الجن فهو يهذي أو ينطق بالعجيب الغريب !

ولم هذا كله ? لأنه يقول لهم : إنكم ستخلقون خلقاً جديداً ! وفيم العجب وهم قد خلقوا ابتداء ? إنهم لا ينظرون هذه العجيبة الواقعة . عجيبة خلقهم الأول . ولو قد نظروها وتدبروها ما عجبوا أدنى عجب للخلق الجديد . ولكنهم ضالون لا يهتدون . ومن ثم يعقب على تشهيرهم وتعجيبهم تعقيباً شديداً مرهوباً :

( بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) . .

وقد يكون المقصود بالعذاب الذي هم فيه عذاب الآخرة ، فهو لتحققه كأنهم واقعون فيه ، وقوعهم في الضلال البعيد الذي لا يرجى معه اهتداء . . وقد يكون هذا تعبيراً عن معنى آخر . معنى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة يعيشون في عذاب كما يعيشون في ضلال . وهي حقيقة عميقة . فالذي يعيش بلا عقيدة في الآخرة يعيش في عذاب نفسي . لا أمل له ولا رجاء في نصفة ولا عدل ولا جزاء ولا عوض عما يلقاه في الحياة . وفي الحياة مواقف وابتلاءات لا يقوى الإنسان على مواجهتها إلا وفي نفسه رجاء الآخرة ، وثوابها للمحسن وعقابها للمسيء . وإلا ابتغاء وجه الله والتطلع إلى رضاه في ذلك العالم الآخر ، الذي لا تضيع فيه صغيرة ولا كبيرة ( وإن تكن مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله ) . والذي يحرم هذه النافذة المضيئة الندية المريحة يعيش ولا ريب في العذاب كما يعيش في الضلال . يعيش فيهما وهو حي على هذه الأرض قبل أن يلقى عذاب الآخرة جزاء على هذا العذاب الذي لقيه في دنياه !

إن الإعتقاد بالآخرة رحمة ونعمة يهبهما الله لمن يستحقهما من عباده بإخلاص القلب ، وتحري الحق ، والرغبة في الهدى . وأرجح أن هذا هو الذي تشير إليه الآية ، وهي تجمع على الذين لا يؤمنون بالآخرة بين العذاب والضلال البعيد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ بَلِ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ فِي ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَٰلِ ٱلۡبَعِيدِ} (8)

وهو في هذا الإخبار لا يخلو أمره من قسمين : إما أن يكون قد تعمد الافتراء على الله أنه قد أوحى إليه ذلك ، أو أنه لم يتعمد لكن لُبّس عليه كما يُلَبَّس على المعتوه والمجنون ؛ ولهذا قالوا : { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ } ؟ قال الله تعالى رادًا عليهم : { بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ } أي : ليس الأمر كما زعموا ولا كما ذهبوا إليه ، بل محمد صلى الله عليه وسلم هو الصادق البار الراشد الذي جاء بالحق ، وهم الكذبة الجهلة الأغبياء ، { فِي الْعَذَابِ } أي : [ في ]{[24152]} الكفر المفضي بهم إلى عذاب الله ، { وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ } من{[24153]} الحق في الدنيا .


[24152]:- زيادة من ت ، أ.
[24153]:- في أ: "عن".