تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا} (6)

ثم ذكر الحكمة في أمره بقيام الليل ، فقال : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } أي : الصلاة فيه بعد النوم { هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا } أي : أقرب إلى تحصيل{[1260]}  مقصود القرآن ، يتواطأ على القرآن{[1261]}  القلب واللسان ، وتقل الشواغل ، ويفهم ما يقول ، ويستقيم له أمره ، وهذا بخلاف النهار ، فإنه لا يحصل به هذا المقصود{[1262]} ، ولهذا قال :{ إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا }


[1260]:- في ب: حصول.
[1261]:- في ب: عليه.
[1262]:- في ب: فإنه لا تحصل به هذه المقاصد.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا} (6)

( إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا ) . .

( ناشئة الليل )هي ما ينشأ منه بعد العشاء ؛ والآية تقول : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطأ ) : أي أجهد للبدن ، ( وأقوم قيلا ) : أي أثبت في الخير [ كما قال مجاهد ] فإن مغالبة هتاف النوم وجاذبية الفراش ، بعد كد النهار ، أشد وطأ وأجهد للبدن ؛ ولكنها إعلان لسيطرة الروح ، واستجابة لدعوة الله ، وإيثار للأنس به ، ومن ثم فإنها أقوم قيلا ، لأن للذكر فيها حلاوته ، وللصلاة فيها خشوعها ، وللمناجاة فيها شفافيتها . وإنها لتسكب في القلب أنسا وراحة وشفافية ونورا ، قد لا يجدها في صلاة النهار وذكره . . والله الذي خلق هذا القلب يعلم مداخله وأوتاره ، ويعلم ما يتسرب إليه وما يوقع عليه ، وأي الأوقات يكون فيها أكثر تفتحا واستعدادا وتهيؤا ، وأي الأسباب أعلق به وأشد تأثيرا فيه .

والله - سبحانه - وهو يعد عبده ورسوله محمدا [ صلى الله عليه وسلم ] ليتلقى القول الثقيل ، وينهض بالعبء الجسيم ، اختار له قيام الليل ، لأن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا . ولأن له في النهار مشاغله ونشاطه الذي يستغرق كثيرا من الطاقة والالتفات :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا} (6)

وقوله : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا } قال أبو إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : نشأ : قام بالحبشة .

وقال عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير : الليل كله ناشئة . وكذا قال مجاهد ، وغير واحد ، يقال : نشأ : إذا قام من الليل . وفي رواية عن مجاهد : بعد العشاء . وكذا قال أبو مِجْلَز ، وقتادة ، وسالم وأبو حازم ، ومحمد بن المنكدر .

والغرض أن ناشئة الليل هي : ساعاته وأوقاته ، وكل ساعة منه تسمى ناشئة ، وهي الآنات . والمقصود أن قيام الليل هو{[29416]} أشد مواطأة بين القلب واللسان ، وأجمع على التلاوة ؛ ولهذا قال : { هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا } أي : أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار ؛ لأنه وقت انتشار الناس ولَغَط الأصوات وأوقات المعاش .

[ وقد ]{[29417]} قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا الأعمش ، أن أنس بن مالك قرأ هذه الآية : " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا " فقال له رجل : إنما نقرؤها { وَأَقْوَمُ قِيلا } فقال له : إن أصوب وأقوم وأهيأ وأشباه هذا واحد . {[29418]}ولهذا قال : { إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا }


[29416]:- (1) في م: "هي".
[29417]:- (2) زيادة من م.
[29418]:- (3) مسند أبي يعلى (7/88) ونقل المحقق في الحاشية عن أبي بكر بن الأنباري أنه قال: "حديث لا يصح عن أحد من أهل العلم، لأنه مبنى على رواية الأعمش عن أنس، فهو مقطوع ليس بمتصل، فيؤخذ من قبل أن الأعمش رأي أنسًا ولم يسمع منه".