الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا} (6)

{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } أي ساعاته كلّها ، وكل ساعة منه فهي ناشئة سميت بذلك ؛ لأنها تُنشأ ، ومنه نشأت السحابة إذا بدت انشاها الله وجمعها ناشيات .

أنبأني عقيل ، قال : أخبرنا المعافى ، قال : أخبرنا ابن جرير ، قال : حدثني يعقوب ، قال : حدّثنا ابن عليّة قال : أخبرنا حاتم بن صفيرة ، قال : قلت لعبد بن أبي مليكة : ألا تحدثني أيّ الليل ناشئة ؟ فقال : على الثبت سقطت سألت عنها ابن عباس فزعم أنّ الليل كلّه ناشئة . وسألت ابن الزبير عنها فأخبرني مثل ذلك . وقال سعيد بن جبير وابن زيد : أي ساعة قام من الليل فقد نشأ ، وهو بلسان الحبش نشأ إذا قام . وقال عكرمة : ما قمت من أوّل الليل فهو ناشئة .

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن ماجة ، قال : حدّثنا ابن أيوب ، قال : حدّثنا ابن أبي زياد ، قال : حدّثنا سيار ، قال : حدّثنا جعفر عن الجرير عن بعض أشياخه عن عليّ بن الحسين أنّه كان يصلّي بين المغرب والعشاء ويقول : أما سمعتم قول الله سبحانه : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } هذا ناشئة الليل .

وقال أبو مجلد وقتادة : ما كان بعد العشاء فهو ناشئة . وقال عبيد بن عمير : قلت لعائشة : رجل قام من أوّل الليل أيقال له قام ناشئة ؟ قالت : لا ، إنّما الناشئة القيام بعد النوم . وقال يمان وابن كيسان : هي القيام من آخر الليل .

{ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً } قرأ أبو عمرو وابن عامر وابن محيص : وطأ بكسر الواو ممدوداً ، واختاره أبو عبيد على معنى المواطاة والموافقة ، وهو أن يواطيء قلبه وسمعه وبصره لسانه . وقرأ الباقون بفتح الواو مقصوراً ، أي فراغاً للقلب . قال ابن عباس : كانت صلواتهم أوّل الليل هي أشدّ وطئاً ، يقول : هو أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من القيام ، وذلك أنّ الإنسان إذا نام لم يدرِ متى يستيقظ .

وقال قتادة : أثبت في الخير أحفظ للقراة . الفرّاء : أثبت قياماً . القرطبي : أشدّ على المصلّي من صلاة النهار ، دليله قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " اللّهمّ أشدد وطأتك على مضر " .

ابن زيد : أفرغ له قلباً من النهار ، لأنّه لا تعرض له حوائج ولا شيء . الحسن ، أشدّ وطأً في الخير وأمنع من الشيطان .

{ وَأَقْوَمُ قِيلاً } وأصوب قراءة ، وعبادة الليل أشدّ نشاطاً وأتم إخلاصاً وأكثر بركة .