الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا} (6)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إن ناشئة الليل} يعني الليل كله والقراءة فيه.

{هي أشد وطئا وأقوم قيلا} يعني مواطأة بعضا لبعض.

{وأقوم قيلا} بالليل وأثبت، لأنه فارغ القلب بالليل، وهو أفرغ منه بالنهار.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"إن ناشئة الليل": إن ساعات الليل، وكلّ ساعة من ساعات الليل ناشئة من الليل. وقد اختلف أهل التأويل في ذلك.

عن ابن عباس "إنّ ناشِئَةَ اللّيْلِ" قال: بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل، قالوا: نشأ...

نشأ: قام.

عن ابن أبي نجيح، قال: إذا قام الرجل من الليل، فهو ناشئة الليل...

وقال آخرون: بل ذلك ما كان بعد العشاء، فأما ما كان قبل العشاء فليس بناشئة العشاء الآخرة.

ويعني بقوله "هِيَ أشَدّ وَطْئا" ناشئة الليل أشدّ ثباتا من النهار وأثبت في القلب، وذلك أن العمل بالليل أثبت منه بالنهار. وحُكي عن العرب: وَطِئنا الليل وطأ: إذا ساروا فيه.

عن قتادة "هِيَ أشَدّ وَطْئا": أي أثبت في الخير، وأحفظ في الحفظ.

عن ابن عباس، قوله: "إنّ ناشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أشَدّ وَطْئا": ناشئة الليل كانت صلاتهم أوّل الليل "هِيَ أشَدّ وَطْئا": هو أجدر أن تُحْصُوا ما فرض الله عليكم من القيام، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ.

قال ابن زيد في قوله: "إنّ ناشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أشَدّ وَطْئا": إن مصلي الليل القائم بالليل "أشدّ وطئا": طمأنينة؛ أفرغ له قلبا، وذلك أنه لا يَعْرِضُ له حوائج ولا شيء...

عن مجاهد في قوله: "إنّ ناشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أشَدّ وَطْئا وأقْوَمُ قِيلاً " قال: يواطئ سَمْعُك وبصرك وقلبك بعضه بعضا.

" وأقْوَمُ قِيلاً": وأصوب قراءة... عن ابن عباس، قوله: "وأقْوَمُ قِيلاً": أدنى من أن تفقهوا القرآن.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{نَاشِئَةَ اليل} النفس الناشئة بالليل، التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة، أي: تنهض وترتفع، من نشأت السحابة: إذا ارتفعت، ونشأ من مكانه ونشز: إذا نهض وقام الليل.

{هِيَ أَشَدُّ وَطْأً} هي خاصة دون ناشئة النهار، أشدّ مواطأة يواطئ قلبها لسانها: إن أردت النفس. أو يوطئ فيها قلب القائم لسانه: إن أردت القيام أو العبادة أو الساعات. أو أشدّ موافقة لما يراد من الخشوع والإخلاص. وعن الحسن: أشدّ موافقة بين السر والعلانية، لانقطاع رؤية الخلائق.

وقرئ: «أشدّ وطأ» بالفتح والكسر. والمعنى: أشد ثبات قدم وأبعد من الزلل. أو أثقل وأغلظ على المصلي من صلاة النهار.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا).. (ناشئة الليل) هي ما ينشأ منه بعد العشاء؛ والآية تقول: (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ): أي أجهد للبدن، (وأقوم قيلا): أي أثبت في الخير [كما قال مجاهد] فإن مغالبة هتاف النوم وجاذبية الفراش، بعد كد النهار، أشد وطأ وأجهد للبدن؛ ولكنها إعلان لسيطرة الروح، واستجابة لدعوة الله، وإيثار للأنس به، ومن ثم فإنها أقوم قيلا، لأن للذكر فيها حلاوته، وللصلاة فيها خشوعها، وللمناجاة فيها شفافيتها. وإنها لتسكب في القلب أنسا وراحة وشفافية ونورا، قد لا يجدها في صلاة النهار وذكره.. والله الذي خلق هذا القلب يعلم مداخله وأوتاره، ويعلم ما يتسرب إليه وما يوقع عليه، وأي الأوقات يكون فيها أكثر تفتحا واستعدادا وتهيؤا، وأي الأسباب أعلق به وأشد تأثيرا فيه. والله -سبحانه- وهو يعد عبده ورسوله محمدا [صلى الله عليه وسلم] ليتلقى القول الثقيل، وينهض بالعبء الجسيم، اختار له قيام الليل، لأن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا. ولأن له في النهار مشاغله ونشاطه الذي يستغرق كثيرا من الطاقة والالتفات.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تعليل لتخصيص زمن الليل بالقيام فيه فهي مرتبطة بجملة {قم الليل} [المزمل: 2]، أي قم الليل لأن ناشئته أشد وطْأً وأقوم قيلا.

والمعنى: أن في قيام الليل تزكية وتصفية لسرّك وارتقاء بك إلى المراقي الملكية.

وإيثار لفظ {ناشئة} في هذه الآية دون غيره من نحو: قيامَ أو تَهَجُدَ، لأجل ما يحتمله من هذه المعاني ليأخذ الناس فيه بالاجتهاد.

وقرأ جمهور العشرة {وَطأً} بفتح الواو وسكون الطاء بعدها همزة، والوطء: أصله وضع الرجل على الأرض، وهو هنا مستعار لمعنى يناسب أن يكون شأناً للظلام بالليل، فيجوز أن يكون الوطء استعير لفعل من أفعال المصلي على نحو إسناد المصدر إلى فاعله، أي وَاطِئاً أنتَ، فهو مستعار لتمكن المصلي من الصلاة في الليل بتفرغه لها وهدوء باله من الأشغال النهارية تمكّن الواطئ على الأرض فهو أمكن للفعل. والمعنى: أشد وقعاً، وبهذا فسره جابر بن زيد والضحاك وقاله الفراء.

ويجوز أن يكون الوطء مستعاراً لحالة صلاة الليل وأثرها في المصلي، أي أشد أثر خير في نفسه وأرسخ خيراً وثواباً، وبهذا فسره قتادة.

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

ففيه إرشاد إلى ما يقابل هذا الثقل فيما سيلقى عليه من القول، فهو بمثابة التوجيه إلى ما يتزود به لتحمل ثقل أعباء الدعوة والرسالة. وقد سمعت من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه قوله: لا يثبت القرآن في الصدر ولا يسهل حفظه وييسر فهمه إلا القيام به من جوف الليل.

الشعراوي- 1419هـ:

ففي الوقت الذي ينام فيه الناس ويخلدون إلى الراحة وتتثاقل رؤوسهم عن العبادة، تقوم بين يدي ربك مُناجيا متضرعا، فتتنزل عليك الرحمات والفيوضات، فمَن قام من الناس في هذا الوقت واقتدى بك فله نصيبٌ من هذه الرحمات، وحظ من هذه الفيوضات، ومَن تثاقلت رأسه عن القيام فلا حظَّ له.

إذن في قيام الليل قوة إيمانية وطاقة روحية، لما كانت مهمة الرسول فوق مهمة الخَلق كان حظه من قيام الليل أزيد من حظِّهم، فأعباءُ الرسول صلى الله عليه سلم كثيرة، والعبء الثقيل يحتاج الاتصال بالحق الأحد القيوم، حتى يستعين بلقاء ربِّه على قضاء مصالحه.