غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا} (6)

1

ثم عاد إلى حكمة الأمر بقيام الليل فقال { إن ناشئة الليل } فيها قولان : أحدهما أنها ساعات الليل إما كلها لأنها تنشأ أي تحدث واحدة بعد أخرى ، وإما الساعات الأول ما بين المغرب والعشاء وهو قول زين العابدين وسعيد بن جبير والضحاك والكسائي وذلك أنها مبادئ نشوء الليل . والثاني أنها عبارة عن الأمور التي تحدث في الليل . وعلى هذا اختلفوا فمنهم من قال : هي النفس الناشئة بالليل أي التي تنشأ من مضجعها للعبادة أي تنهض وترتفع من نشأت السحابة إذا ارتفعت . ومنهم من قال : هي مصدر كالعاقبة أي قيام الليل . ولا بد من سبق النوم لما روي عبيد بن عمير قلت لعائشة : رجل قام من أول الليل أتقولين له قام ناشئة الليل ؟ قالت : لا إنما الناشئة القيام بعد النوم . وقد فسرها بعض أهل المعنى بالواردات الروحانية والخواطر النورانية والانفعالات النفسانية للابتهاج بعالم القدس وفراغ النفس من الشواغل الحسية التي تكون بالنهار . الوطاء والمواطأة الموافقة . قال الحسن : يعني النفس أشد موافقة بين السر والعلانية أو القلب أو اللسان لانقطاع رؤية الخلائق ، أو يواطئ فيها قلب القائم لسانه ، إن أردت الساعات ، أو القيام . ومن قرأ وطأ بغير فالمعنى أشد ثبات قدم وأبعد من الزلل وأثقل وأغلظ على المصلي من صلاة النهار ومنه قوله " اللهم أشدد وطأتك على مضر " { وأقوم قيلاً } وأشد مقالاً وأثبت قراءة لهدوّ الأصوات وسكون الحركات فلا يكون بين القراءة وبين تفهم معانيها حائل ولا مشوش . قال في الكشاف : عن أنس إنه قرأ و " أصوب قيلاً " فقيل له : يا أبا حمزة إنما هي { أقوم } فقال : إنهما واحد . قال ابن جني : وهذا يدل على أن القوم كانوا يعتبرون المعاني ولا يلتفتون نحو الألفاظ . قال العلماء الراسخون : هذا النقل يوجب القدح في القرآن فالواجب أن يحمل النقل لو صح على أنه فسر أحد اللفظين بالآخر لا أنه زعم أن تغيير لفظ القرآن جائز .

/خ20