البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا} (6)

{ إن ناشئة الليل } ، قال ابن عمر وأنس ابن مالك وعليّ بن الحسين : هي ما بين المغرب والعشاء .

وقالت عائشة ومجاهد : هي القيام بعد اليوم ، ومن قام أول الليل قبل اليوم ، فلم يقم ناشئة الليل .

وقال ابن جبير وابن زيد : هي لفظة حبشية ، نشأ الرجل : قام من الليل ، فناشئة على هذا جمع ناشىء ، أي قائم .

وقال ابن جبير وابن زيد أيضاً وجماعة : ناشئة الليل : ساعاته ، لأنها تنشأ شيئاً بعد شيء .

وقال ابن عباس وابن الزبير والحسن وأبو مجلز : ما كان بعد العشاء فهو ناشئة ، وما كان قبلها فليس بناشئة .

قال ابن عباس : كانت صلاتهم أول الليل ، وقال هو وابن الزبير : الليل كله ناشئة .

وقال الكسائي : ناشئة الليل أوله .

وقال الزمخشري : ناشئة الليل : النفس الناشئة بالليل التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة ، أي تنهض وترتفع من نشأت السحابة إذا ارتفعت ، ونشأ من مكانه ونشر إذا نهض .

قال الشاعر :

نشأنا إلى خوص برى فيها السرى *** وألصق منها مشرفات القماحد

أو : قيام الليل ، على أن الناشئة مصدر من نشأ إذا قام ونهض على فاعله كالعاقبة . انتهى .

وقرأ الجمهور : وطاء بكسر الواو وفتح الطاء ممدوداً .

وقرأ قتادة وشبل ، عن أهل مكة : بكسر الواو وسكون الطاء والهمزة مقصورة .

وقرأ ابن محيصن : بفتح الواو ممدوداً ، والمعنى أنها أشد مواطأة ، أي يواطىء القلب فيها اللسان ، أو أشد موافقة لما يراد من الخشوع والإخلاص .

ومن قرأ { وطأ } : أي أشد ثبات قدم وأبعد من الزلل ، أو أثقل وأغلظ على المصلي من صلاة النهار ، كما جاء : «اللهم اشدد وطأتك على مضر » .

وقال الأخفش : أشد قياماً .

وقال الفراء : أثبت قراءة وقياماً .

وقال الكلبي : أشد نشاطاً للمصلي لأنه في زمان راحته .

وقيل : أثبت للعمل وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة ، والليل وقت فراغ ، فالعبادة تدوم .

{ وأقوم قيلاً } : أي أشد استقامة على الصواب ، لأن الأصوات هادئة فلا يضطرب على المصلي ما يقرؤه .

قال قتادة ومجاهد : أصوب للقراءة وأثبت للقول ، لأنه زمان التفهم .

وقال عكرمة : أتم نشاطاً وإخلاصاً وبركة .

وحكى ابن شجرة : أعجل إجابة للدعاء .

وقال زيد بن أسلم : أجدر أن يتفقه فيها القارىء .