وقوله : عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ يقول تعالى ذكره : على سقر تسعة عشر من الخزَنة .
وذُكر أن ذلك لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أبو جهل ما :
حدثني به محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ . . . إلى قوله : وَيَزْدادَ الّذِينَ آمَنُوا إيمَانا فلما سمع أبو جهل بذلك قال لقريش : ثكلتكم أمهاتكم ، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزَنة النار تسعة عشر وأنتم الدّهم ، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم ؟ فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أبا جهل ، فيأخذه بيده في بطحاء مكة فيقول له : أَوْلى لَكَ فأوْلى ثمّ أوْلى لَكَ فأَوْلى فلما فعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو جهل : والله لا تفعل أنت وربك شيئا فأخزاه الله يوم بدر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ذُكر لنا أن أبا جهل حين أُنزلت هذه الاَية قال : يا معشر قريش ما يستطيع كلّ عشرة منكم أن يغلبوا واحدا من خزَنة النار وأنتم الدّهم ؟ فصاحبكم يحدثكم أن عليها تسعة عشر .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال أبو جهل : يخبركم محمد أن خزَنة النار تسعة عشر ، وأنتم الدّهم ليجتمع كلّ عشرة على واحد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ قال : خزنتها تسعة عشر .
وقوله تعالى : { عليها تسعة عشر } ابتداء وخبره مقدم في المجرور ، ولا خلاف بين العلماء أنهم خزنة جهنم المحيطون بأمرها الذين إليهم جماع أمر زبانيتها ، وقد قال بعض الناس : إنهم على عدد حروف بسم الله الرحمن الرحيم لأن بها تقووا ، وروي أن قريشاً لما سمعت هذا كثر إلغاطهم{[11430]} فيه وقالوا : لو كان هذا حقاً ، فإن هذا العدد قليل ، فقال أبو جهل : هؤلاء تسعة عشر ، وأنتم الدهم{[11431]} ، أفيعجز عشرة منا عن رجل منهم ، وقال ابو الأشدي الجمحي{[11432]} : أنا أجهضهم{[11433]} على النار ، إلى غير هذا من أقوالهم السخيفة ، فنزلت في أبي جهل : { أولى لك فأولى }{[11434]} [ القيامة : 34-35 ] الآية ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وطلحة بن شبل «تسعْة عشر » بسكون العين ، وذلك لتوالي الحركات ، وقرأ أنس بن مالك وأبو حيوة «تسعةُ عشر » برفع التاء ، وروي عن أنس بن مالك أنه قرأ «تسعة أعشر » ، وضعفها أبو حاتم{[11435]} .
وقوله : { عليها تسعة عشر } خبر رابع عن { سَقر } من قوله : { وما أدراك ما سقر } .
ومعنى { عليها } على حراستها ، ف ( على ) للاستعلاء المجازي بتشبيه التصرف والولاية بالاستعلاء كما يقال : فلان على الشرطة ، أو على بيت المال ، أي يلي ذلك والمعنى : أن خزنة سقر تسعة عشر مَلَكاً .
وقال جمع : إن عدد تسعة عشر : هُم نقباء الملائكة الموكلين بجهنم .
وقيل : تسعة عشر صِنفاً من الملائكة وقيل تسعة عشر صفّاً . وفي « تفسير الفخر » : ذكر أرباب المعاني في تقدير هذا العدد وجوهاً : أحدها قول أهل الحكمة : إن سبب فساد النفس هو القُوى الحيوانية والطبيعية أما الحيوانية فهي الخمس الظاهرة والخمس الباطنة ، والشهوة والغضب ، فمجموعها اثنتا عشرة . وأما القوى الطبيعية فهي : الجاذبة ، والماسكة ، والهاضمة ، والدافعة ، والغاذية ، والنامية ، والمولِّدة ، فهذه سبعة ، فتلك تسعَ عشرة . فلما كان منشأ الآفات هو هذه التسع عشرة كان عدد الزبانية كذلك اه .
والذي أراه أن الملائكة التسعة عشر موزَّعون على دركات سقر أو جهنمَ لكل دَرك مَلك فلعل هذه الدركات معيَّن كل درك منها لأهل شعبة من شُعب الكفر ، ومنها الدرك الأسفل الذي ذكره الله تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } في سورة النساء ( 145 ) فإن الكفر أصناف منها إنكار وجود الله ، ومنها الوثنية ، ومنها الشرك بتعدد الإله ، ومنها عبادة الكواكب ، ومنها عبادة الشيطان والجن ، ومنها عبادة الحيوان ، ومنها إنكار رسالة الرسل ، ومنها المجوسية المانوية والمزدكية والزندقة ، وعبادة البشر مثل الملوك ، والإِباحيةُ ولو مع إثبات الإله الواحد .
وفي ذكر هذا العدد تحدَ لأهل الكتابين يبعثهم على تصديق القرآن إذ كان ذلك مما استأثر به علماؤهم كما سيأتي قوله : { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } [ المدثر : 31 ] .
وقرأ الجمهور { تسعة عَشر } بفتح العين من { عَشر } . وقرأ أبو جعفر { تسعة عشر } بسكون العين من { عشْر } تخفيفاً لتوالي الحركات فيما هو كالاسم الواحد ، ولا التفات إلى إنكار أبي حاتم هذه القراءة فإنها متواترة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
في النار من الملائكة تسعة عشر خزنتها، يعني مالكا، ومن ومعه ثمانية عشر ملكا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنهم خزنة جهنم، مع كل واحد من الأعوان ما لا يحصى.
ويحتمل أن يكون في السقر تسعة عشر دركا، وقد سلط على كل درك ملك؛ وذلك أن جهنم ذات حد في نفسها لأن الله تعالى، وعد أن يملأها من الجنة والناس، ولو لم ترجع إلى حد لكان لا يتحقق امتلاؤها بالقدر الذي ذكره.
ويحتمل أن يعذب فيها بتسعة عشر لونا من العذاب، وقد وكل كل واحد منهم أن يعذب بنوع من ذلك.
والأصل أن الله تعالى حكيم، يعلم أن في كل فعل من أفعاله حكمة عجيبة، ولكن لا كل حكمة يوصل إليها بالعقل، وينتهى إلى معرفتها بالتدبير.
ألا ترى أن الله تعالى جعل في الماء معنى، يحيي كل شيء؟ ولو أراد أن يتكلف استخراج المعنى الذي به صلح أن يكون طبعه موافقا لإحياء كل شيء، لا يمكنه ذلك، وجعل في الطعام ما يغذي، وينمي؟ ولو أراد أحدا أن يتعرف المعنى الذي يقع به الاغتذاء والإنماء لم يتدارك، وكذلك جعل في العدد الذين سماهم حكمة؟ ولكنا لا نصل إلى تعرفها بعقولنا وتدبيرنا.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} من الخزنة ويحتمل أن يكونوا تسعة عشر صنفاً ويحتمل أن يكونوا تسعة عشر صفاً، ويحتمل أن يكونوا تسعة عشر ملكاً بأعيانهم، وعلى هذا أكثر المفسّرين. ولا يستنكر هذا فإن ملك واحد يقبض أرواح جميع الخلق كان أحرى أن يكون تسعة عشر على عذاب بعض الخلق.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ولا خلاف بين العلماء أنهم خزنة جهنم المحيطون بأمرها الذين إليهم جماع أمر زبانيتها.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويقوم عليها حراس عدتهم: (تسعة عشر).. لا ندري أهم أفراد من الملائكة الغلاظ الشداد، أم صفوف أم أنواع من الملائكة وصنوف. إنما هو خبر من الله سندري شأنه فيما يجيء..