تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا} (28)

{ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا } خص المذكورين لتأكد حقهم وتقديم برهم ، ثم عمم الدعاء ، فقال : { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا } أي : خسارا ودمارا وهلاكا .

تم تفسير سورة نوح عليه السلام [ والحمد لله ]

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا} (28)

من أجل هذا دعا نوح - عليه السلام - دعوته الماحقة الساحقة . ومن أجل هذا استجاب الله دعوته ، فغسل وجه الأرض من ذلك الشر ؛ وجرف العواثير التي لا تجرفها إلا قوة الجبار القدير .

وإلى جانب الدعوة الساحقة الماحقة التي جعلها خاتمة دعائه وهو يقول : ( ولا تزد الظالمين إلا تبارا )- أي هلاكا ودمارا - إلى جانب هذا كان الإبتهال الخاشع الودود :

( رب اغفر لي ولوالدي ، ولمن دخل بيتي مؤمنا ، وللمؤمنين والمؤمنات . . . ) . .

ودعاء نوح النبي لربه أن يغفر له . . هو الأدب النبوي الكريم في حضرة الله العلي العظيم . . أدب العبد في حضرة الرب . العبد الذي لا ينسى أنه بشر ، وأنه يخطئ ، وأنه يقصر ، مهما يطع ويعبد ، وأنه لا يدخل الجنة بعمله إلا أن يتغمده الله بفضله ، كما قال أخوه النبي الكريم محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وهذا هو الاستغفار الذي دعا قومه العصاة الخاطئين إليه ، فاستكبروا عليه . . وهو هو النبي يستغفر بعد كل هذا الجهد وكل هذا العناء . يستغفر وهو يقدم لربه سجل الحساب !

ودعاؤه لوالديه . . هو بر النبوة بالوالدين المؤمنين - كما نفهم من هذا الدعاء - ولو لم يكونا مؤمنين لروجع فيهما كما روجع في شأن ولده الكافر الذي أغرق مع المغرقين [ كما جاء في سورة هود ] .

ودعاؤه الخاص لمن دخل بيته مؤمنا . . هو بر المؤمن بالمؤمن ؛ وحب الخير لأخيه كما يحبه لنفسه ، وتخصيص الذي يدخل بيته مؤمنا ، لأن هذه كانت علامة النجاة ، وحصر المؤمنين الذين سيصحبهم معه في السفينة .

ودعاؤه العام بعد ذلك للمؤمنين والمؤمنات . . هو بر المؤمن بالمؤمنين كافة في كل زمان ومكان . وشعوره بآصرة القربى على مدار الزمن واختلاف السكن . وهو السر العجيب في هذه العقيدة التي تربط بين أصحابها برباط الحب الوثيق ، والشوق العميق ، على تباعد الزمان والمكان . السر الذي أودعه الله هذه العقيدة ، وأودعه هذه القلوب المربوطة برباط العقيدة . .

وفي مقابل هذا الحب للمؤمنين ، كان الكره للظالمين .

( ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) .

ختام السورة:

وتختم السورة ، وقد عرضت تلك الصورة الوضيئة لجهاد النبي الكريم نوح عليه السلام . وتلك الصورة المطموسة لإصرار المعاندين الظالمين . . وقد تركت هذه وتلك في القلب حبا لهذا الروح الكريم وإعجابا بهذا الجهاد النبيل ، وزادا للسير في هذا الطريق الصاعد ، أيا كانت المشاق والمتاعب . وأيا كانت التضحيات والآلام . فهو الطريق الوحيد الذي ينتهي بالبشرية إلى أقصى الكمال المقدر لها في هذه الأرض . حين ينتهي بها إلى الله ، العلي الأعلى ، الجليل العظيم . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا} (28)

وقوله : رَبّ اغْفِرْ لي وَلِوَالِدَيّ يقول : ربّ اعف عني ، واستر عليّ ذنوبي وعلى والديّ ولِمَنْ دَخَلَ بَيِتيَ مُؤْمِنا يقول : ولمن دخل مسجدي ومصلايَ مصلّيا مؤمنا ، يقول : مصدّقا بواجب فرضك عليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن آدم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن الضحاك ولِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنا قال : مسجدي .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي سلمة ، عن أبي سنان سعيد ، عن الضحاك مثله .

وقوله : وللْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ يقول : وللمصدّقين بتوحيدك والمصدّقات .

وقوله : وَلا تَزِدِ الظَالِمِينَ إلاّ تَبارا يقول : ولا تزد الظالمين أنفسهم بكفرهم إلا خسارا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : إلاّ تَبارا قال : خسارا .

وقد بينت معنى قول القائل : تبرت ، فيما مضى بشواهده ، وذكرت أقوال أهل التأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، قال : قال معمر : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد ، قال : كانوا يضربون نوحا حتى يُغْشَى عليه ، فإذا أفاق قال : ربّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا} (28)

رب اغفر لي ولوالدي لملك بن متوشلخ وشمخا بنت أنوش وكانا مؤمنين ولمن دخل بيتي منزلي أو مسجدي أو سفينتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات إلى يوم القيامة ولا تزد الظالمين إلا تبارا هلاكا .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا} (28)

وقرأ جمهور الناس : «ولوالدَي » وقرأ أبي بن كعب «ولأبوي » ، وقرأ سعيد بن جبير «ولوالدِي » بكسر الدال يخص أباه بالدعوة . وقال ابن عباس : لم يكفر بنوح ما بينه وبين آدم عليه السلام ، وقرأ يحيى بن يعمر والجحدري : «ولولَديَّ » بفتح اللام وشد الياء المفتوحة وهي قراءة النخعي يخص بالدعاء ابنيه ، وبيته : المسجد فيما قال ابن عباس وجمهور المفسرين . وقال ابن عباس أيضاً : بيته : شريعته ودينه استعار لها بيتاً كما يقال : قبة الإسلام ، وفسطاط الدين . وقيل أراد سفينته ، وقيل داره . وقوله : { للمؤمنين والمؤمنات } تعميم بالدعاء لمؤمني كل أمة ، وقال بعض العلماء : إن الذي استجاب لنوح عليه السلام فأغرق بدعوته أهل الأرض الكفار لجدير أن يستجيب له فيرحم بدعوته المؤمنين . و : «التبار » الهلاك وذهاب الرسم ، وقرأ حفص عن عاصم وهشام وأبو قرة عن نافع : «بيتيَ » بتحريك الياء ، وقرأ الباقون بسكونها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا} (28)

جعل الدعاء لنفسه ووالديه خاتمة مناجاته فابتدأ بنفسه ثم بأقرب الناس به وهما والده ، ثم عمّم أهله وذويه المؤمنين فدخل أولاده وبنوهم والمؤمنات من أزواجهم وعبر عنهم بمن دخل بيته كناية عن سكناهم معه ، فالمراد بقوله { دخل بيتي } دخول مخصوص وهو الدخول المتكرر الملازم . ومنه سميت بطانة المرء دَخيلته ودُخْلَته ، ثم عمم المؤمنين والمؤمنات ، ثم عاد بالدعاء على الكفرة بأن يحرمهم الله النجاح وهو على حد قوله المتقدم { ولا تزد الظالمين إلاّ ضلالاً } [ نوح : 24 ] .

والتبَار : الهلاك والخسار ، فهو تخصيص للظالمين من قومه بسؤال استئصالهم بعد أن شملهم وغيرهم بعموم قوله : { لا تَذر على الأرض من الكافرين ديّاراً } [ نوح : 26 ] حرصاً على سلامة المجتمع الإِنساني من شوائب المفاسد وتطهيره من العناصر الخبيثة .

ووالداه : أبوه وأمه ، وقد ورد اسم أبيه في التوراة ( لَمَك ) وأما أمه فقد ذكر الثعلبي أنّ اسمها شَمْخَى بنتُ آنُوش .

وقرأ الجمهور { بيتي } بسكون ياء المتكلم . وقرأه حفص عن عاصم بتحريكها .

واستثناء { إلاّ تباراً } منقطع لأن التبار ليس من الزيادة المدعو بنفيها فإنه أراد لا تزدهم من الأموال والأولاد لأن في زيادة ذلك لهم قوةً لهم على أذى المؤمنين . وهذا كقول موسى عليه السلام : { ربنا إنك ءاتيت فرعون وملأَه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك } [ يونس : 88 ] الآية . وهذا من تأكيد الشيء بما يشبه ضده كقوله : { فلم يزدهم دعائي إلاّ فراراً } [ نوح : 6 ] .