هؤلاء الرهط التسعة الذين تمحضت قلوبهم وأعمالهم للفساد وللإفساد ، لم يعد بها متسع للصلاح والإصلاح ، فضاقت نفوسهم بدعوة صالح وحجته ، وبيتوا فيما بينهم أمرا . ومن العجب أن يتداعوا إلى القسم بالله مع هذا الشر المنكر الذي يبيتونه ، وهو قتل صالح وأهله بياتا ، وهو لا يدعوهم إلا لعبادة الله !
وإنه لمن العجب كذلك أن يقولوا : ( تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه : ما شهدنا مهلك أهله )ولا حضرنا مقتله . . ( وإنا لصادقون ) . . فقد قتلوهم في الظلام فلم يشهدوا هلاكهم أي لم يروه بسبب الظلام !
وهو احتيال سطحي وحيلة ساذجة . ولكنهم يطمئنون أنفسهم بها ، ويبررون كذبهم ، الذي اعتزموه للتخلص من أولياء دم صالح وأهله . نعم من العجب أن يحرص مثل هؤلاء على أن يكونوا صادقين ! ولكن النفس الإنسانية مليئة بالانحرافات والالتواءات ، وبخاصة حين لا تهتدي بنور الإيمان ، الذي يرسم لها الطريق المستقيم .
وقوله : قالُوا تَقاسَمُوا باللّهِ لَنُبَيّتَنّهُ وأهْلَهُ يقول تعالى ذكره : قال هؤلاء التسعة الرهط الذين يُفسدون في أرض حجر ثمود ، ولا يصلحون ، تقاسموا بالله : تحالفوا بالله أيها القوم ، ليحلف بعضكم لبعض : لنبيتنّ صالحا وأهله ، فلنقتلنه ، ثم لنقولنّ لوليه : ما شهدنا مهلك أهله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد تَقاسَمُوا باللّهِ قال : تحالفوا على إهلاكه ، فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، بنحوه :
ويتوجه قوله تَقاسَمُوا بالله إلى وجهين : أحدهما النصب على وجه الخبر ، كأنه قيل : قالوا متقاسمين . وقد ذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «وَلا يُصْلِحُونَ تَقاسَمُوا باللّهِ » وليس فيها «قالوا » ، فذلك من قراءته يدلّ على وجه النصب في «تقاسموا » على ما وصفت . والوجه الاَخر : الجزم ، كأنهم قال بعضهم لبعض : اقسموا بالله ، فعلى هذا الوجه الثاني تصلح قراءة لَنُبَيّتَنّهُ بالياء والنون ، لأن القائل لهم تقاسموا ، وإن كان هو الاَمر فهو فيمن أقسم ، كما يقال في الكلام : انهضوا بنا نمض إلى فلان ، وانهضوا نمضي إليه . وعلى الوجه الأوّل الذي هو وجه النصب القراءة فيه بالنون أفصح ، لأن معناه : قالوا متقاسمين لنُبيّتنّهُ ، وقد تجوز الياء على هذا الوجه كما يقال في الكلام : قالوا لنكرمنّ أباك ، وليكرمنّ أباك ، وبالنون قرأ ذلك قرّاء المدينة ، وعامة قرّاء البصرة وبعض الكوفيين . وأما الأغلب على قرّاء أهل الكوفة ، فقراءته بالياء ، وضمّ التاء جميعا . وأما بعض المكيين ، فقرأه بالياء .
وأعجب القراءات في ذلك إليّ النون ، لأن ذلك أفصح الكلام على الوجهين اللذين بيّنت من النصب والجزم ، وإن كان كل ذلك صحيحا غير فاسد لما وصفت . وأكرهها إليّ القراءة بها الياء ، لقلة قارىء ذلك كذلك . وقوله : لَنُبَيّتَنّهُ قال : ليُبَيّتُنّ صالحا ثم يفتكوا به .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ( قال ) التسعة الذين عقروا الناقة : هلمّ فلنقتل صالحا ، فإن كان صادقا ، يعني فيما وعدهم من العذاب بعد الثلاث ، عجلناه قبله ، وإن كان كاذبا نكون قد ألحقناه بناقته . فأتوه ليلاً ليبيتوه في أهله ، فدمغتهم الملائكة بالحجارة فلما أبطئوا على أصحابهم أتوا منزل صالح ، فوجدوهم مشدوخين قد رضخوا بالحجارة . وقوله : وَإنّا لَصَادقُونَ نقول لوليه : وإنا لصادقون ، أنا ما شهدنا مُهلِكَ أهله .
{ قالوا } أي قال بعضهم لبعض . { تقاسموا بالله } أمر مقول أو خبر وقع بدلا أو حالا بإضمار قد { لنبيتنه وأهله } لنباغتن صالحا وأهله ليلا . وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على خطاب بعضهم لبعض ، وقرئ بالياء على أن تقاسموا خبر . { ثم لنقولن } فيه القراءات الثلاث . { لوليه } لولي دمه . { ما شهدنا مهلك أهله } فضلا أن تولينا إهلاكهم ، وهو يحتمل المصدر والزمان والمكان وكذا " مهلك " في قراءة حفص فإن مفعلا قد جاء مصدرا كمرجع . وقرأ أبو بكر بالفتح فيكون مصدرا . { وإنا لصادقون } ونحلف إنا لصادقون ، أو والحال { إنا لصادقون } فيما ذكرنا لأن الشاهد للشيء غير المباشر له عرفا ، أو لأنا ما شهدنا مهلكهم وحده بل مهلكه ومهلكهم كقولك ما رأيت ثمة رجلا بل رجلين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.