ثم ذكر في الإبل والبقر مثل ذلك . فلما بين بطلان قولهم وفساده ، قال لهم قولًا لا حيلة لهم في الخروج من تبعته ، إلا في اتباع شرع الله . { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ } أي : لم يبق عليكم إلا دعوى ، لا سبيل لكم إلى صدقها وصحتها . وهي أن تقولوا : إن الله وصَّانا بذلك ، وأوحى إلينا كما أوحى إلى رسله ، بل أوحى إلينا وحيا مخالفا لما دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب ، وهذا افتراء لا يجهله أحد ، ولهذا قال : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : مع كذبه وافترائه على الله ، قصده بذلك إضلال عباد الله عن سبيل الله ، بغير بينة منه ولا برهان ، ولا عقل ولا نقل . { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } الذين لا إرادة لهم في غير الظلم والجور ، والافتراء على الله .
وبقية الأزواج ذكر وأنثى من الإبل ؛ وذكر وأنثى من البقر . فأيها كذلك حرم ؟ أم أجنتها هي التي حرمها الله على الناس ؟ ومن أين هذا التحريم :
( أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا ؟ ) . .
فحضرتم وشهدتم وصية الله لكم خاصة بهذا التحريم . فما ينبغي أن يكون هناك تحريم بغير أمر من الله مستيقن ، لا يرجع فيه إلى الرجم والظنون .
وبهذا يرد أمر التشريع كله إلى مصدر واحد . . وقد كانوا يزعمون أن الله هو الذي شرع هذا الذي يشرعونه . لذلك يعاجلهم بالتحذير والتهديد :
( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم . إن الله لا يهدي القوم الظالمين )
إنه لا أحد أظلم ممن يفتري على الله شريعة لم يأذن بها ، ثم يقول : شريعة الله ! وهو يقصد أن يضل الناس بغير علم ، إنما هو يحيلهم إلى هدى أو ظن . . أولئك لن يهديهم الله ؛ فقد قطعوا ما بينهم وبين أسباب الهدى . وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا . . والله لا يهدي القوم الظالمين .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذّكَرَيْنِ حَرّمَ أَمِ الاُنْثَيَيْنِ أَمّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الاُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصّاكُمُ اللّهُ بِهََذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلّ النّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } .
وتأويل قوله : وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذّكَرَيْنِ حَرّمَ أمِ الأُنْثَيَيْنِ أمّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأنْثَيَيْنِ نحو تأويل قوله : مِنَ الضّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ وهذه أربعة أزواج ، على نحو ما بينا من الأزواج الأربعة قبل من الضأن والمعز ، فذلك ثمانية أزواج كما وصف جلّ ثناؤه .
وأما قوله : أمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءِ إذْ وَصّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا فَمَنْ أظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَى على الله كَذِبا لِيُضِلّ النّاسَ بغيرِ عِلْمٍ فإنه أمر من الله جلّ ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء الجهلة من المشركين الذين قصّ قصصهم في هذه الاَيات التي مضت ، يقول له عزّ ذكره : قل لهم يا محمد ، أيّ هذه سألتكم عن تحريمه حرّم ربكم عليكم من هذه الأزواج الثمانية ؟ فإن أجابوك عن شيء مما سألتهم عنه من ذلك ، فقل لهم : أخبرا قلتم إن الله حرّم هذا عليكم أخبركم به رسول عن ربكم ، أم شهدتم ربكم فرأيتموه فوصاكم بهذا الذي تقول وتردّون على الله ؟ فإن هذا الذي تقولون من إخباركم عن الله أنه حرام بما تزعمون على ما تزعمون ، لا يُعلم إلا بوحي من عنده مع رسول يرسله إلى خلقه ، أو بسماع منه ، فبأيّ هذين الوجهين علمتم أن الله حرّم ذلك كذلك برسول أرسله إليكم ؟ فأنبئوني بعلم إن كنتم صادقين أم شهدتم ربكم ، فأوصاكم بذلك وقال لكم : حرّمت ذلك عليكم ، فسمعتم تحريمه منه وعهده إليكم بذلك ؟ فإنه لم يكن واحد من هذين الأمرين . يقول جلّ ثناؤه : فمنْ أظْلمُ مِمّنِ افترَى عَلى اللّهِ كِذبا يقول : فمن أشدّ ظلما لنفسه وأبعد عن الحقّ ممن تخرّص على الله قيل الكذب وأضاف إليه تحريم ما لم يحرّم وتحليل ما لم يحلل . لِيُضِلّ النّاسَ بغيرِ عِلْمٍ يقول : ليصدّهم عن سبيله : إنّ اللّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمينَ يقول : لا يوفق الله للرشد من افترى على الله وقال عليه الزور والكذب وأضاف إليه تحريم ما لم يحرّم كفرا بالله وجحودا لنبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . كالذي :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إذْ وَصّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا الذي تقولون .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : كانوا يقولون يعني الذين كانوا يتخذون البحائر والسوائب : إن الله أمر بهذا . فقال الله : فَمَنْ أظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَى على اللّهِ كَذِبا لِيُضِلّ النّاسَ بغيرِ عِلْمٍ .
{ ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين } كما سبق والمعنى إنكار أن الله حرم شيئا من الأجناس الأربعة ذكرا كان أو أنثى أو ما تحمل إناثها ردا عليهم ، فإنهم كانوا يحرمون ذكور الأنعام تارة وإناثها تارة أخرى وأولادها كيف كانت تارة زاعمين أن الله حرمها . { أم كنتم شهداء } بل أكنتم شاهدين حاضرين . { إذ وصاكم الله بهذا } حين وصاكم بهذ التحريم إذ أنتم لا تؤمنون بنبي فلا طريق لكم إلى معرفة أمثالي ذلك إلا المشاهدة والسماع . { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا } فنسب إليه تحريم ما لم يحرم ، والمراد كبراؤهم المقررون لذلك ، أو عمرو بن لحي بن قمعة المؤسس لذلك . { ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.