تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ أَوۡ تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ} (31)

أمرهم أن يكونوا { حُنَفَاءَ لِلَّهِ } أي : مقبلين عليه وعلى عبادته ، معرضين عما سواه .

{ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ } فمثله { فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ } أي : سقط منها { فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ } بسرعة { أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } أي : بعيد ، كذلك المشرك ، فالإيمان بمنزلة السماء ، محفوظة مرفوعة .

ومن ترك الإيمان ، بمنزلة الساقط من السماء ، عرضة للآفات والبليات ، فإما أن تخطفه الطير فتقطعه أعضاء ، كذلك المشرك إذا ترك الاعتصام بالإيمان تخطفته الشياطين من كل جانب ، ومزقوه ، وأذهبوا عليه دينه ودنياه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ أَوۡ تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ} (31)

ويغلظ النص من جريمة قول الزور إذ يقرنها إلى الشرك . . وهكذا روى الإمام أحمد - بإسناده - عن فاتك الأسدي قال : صلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] - الصبح . فلما انصرف قام قائما فقال : عدلت شهادة الزور الإشراك بالله عز وجل ثم تلا هذه الآية . .

إنما يريد الله من الناس أن يميلوا عن الشرك كله ، وأن يجتنبوا الزور كله ، وأن يستقيموا على التوحيد لصادق الخالص . ( حنفاء لله غير مشركين به ) . . ثم يرسم النص مشهدا عنيفا يصور حال من تزل قدماه عن أفق التوحيد ، فيهوي إلى درك الشرك . فإذا هو ضائع ذاهب بددا كأن لم يكن من قبل أبدا :

( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) . .

إنه مشهد الهوي من شاهق ( فكأنما خر من السماء ) . وفي مثل لمح البصر يتمزق ( فتخطفه الطير )أو تقذف به الريح بعيدا عن الأنظار : ( أو تهوي به الريح في مكان سحيق )في هوة ليس لها قرار !

والملحوظ هو سرعة الحركة مع عنفها وتعاقب خطواتها في اللفظ " بالفاء " وفي المنظر بسرعة الاختفاء . . على طريقة القرآن الكريم في التعبير بالتصوير .

وهي صورة صادقة لحال من يشرك بالله ، فيهوي من أفق الإيمان السامق إلى حيث الفناء والانطواء . إذ يفقد القاعدة الثابتة التي يطمئن إليها . قاعدة التوحيد . ويفقد المستقر الآمن الذي يثوب إليه ؛ فتتخطفه الأهواء تخطف الجوارح ، وتتقاذفه الأوهام تقاذف الرياح . وهو لا يمسك بالعروة الوثقى ، ولا يستقر على القاعدة الثابتة ، التي تربطه بهذا الوجود الذي يعيش فيه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ أَوۡ تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { حُنَفَآءَ للّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنّمَا خَرّ مِنَ السّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ الطّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } .

يقول تعالى ذكره : اجتنبوا أيها الناس عبادة الأوثان ، وقول الشرك ، مستقيمين لله على إخلاص التوحيد له ، وإفراد الطاعة والعبادة له خالصا دون الأوثان والأصنام ، غير مشركين به شيئا من دونه فإنه من يُشرك بالله شيئا من دونه فمثله في بعده من الهدى وإصابة الحقّ وهلاكه وذهابه عن ربه ، مَثل من خرّ من السماء فتخطفه الطير فهلك ، أو هوت به الريح في مكان سحيق ، يعني من بعيد ، من قولهم : أبعده الله وأسحقه ، وفيه لغتان : أسحقته الريح وسحقته ، ومنه قيل للنخلة الطويلة : نخلة سحوق ومنه قول الشاعر :

كانَتْ لَنا جارَةٌ فَأزْعَجَها *** قاذُورَةٌ تَسْحَقُ النّوَى قُدُمَا

ويُروى : «تُسْحِقُ » . يقول : فهكذا مَثل المشرك بالله في بُعده من ربه ومن إصابة الحقّ ، كبُعد هذا الواقع من السماء إلى الأرض ، أو كهلاك من اختطفته الطير منهم في الهواء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : فَكأنّمَا خَرّ منَ السّماءِ قال : هذا مَثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بُعده من الهُدى وهلاكه فَتَخْطَفُهُ الطّيْرُ أوْ تَهْوِى بِهِ الرّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : فِي مَكانٍ سَحِيقٍ قال : بعيد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

وقيل : فَتَخْطَفُهُ الطّيْرُ وقد قيل قبله : فكأنّمَا خَرّ منَ السّماءِ وخرّ فعل ماض ، وتخطفه مستقبل ، فعطف بالمستقبل على الماضي ، كما فعل ذلك في قوله : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا ويَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وقد بيّنت ذلك هناك .