فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ أَوۡ تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ} (31)

وانتصاب { حُنَفَاء } على الحال ، أي مستقيمين على الحق ، أو مائلين إلى الحق . ولفظ حنفاء من الأضداد يقع على الاستقامة ، ويقع على الميل . وقيل : معناه : حجاجاً ، ولا وجه لهذا { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } هو حال كالأوّل أي : غير مشركين به شيئاً من الأشياء كما يفيده الحذف من العموم ، وجملة : { وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السماء } مبتدأة مؤكدة لما قبلها من الأمر بالاجتناب . ومعنى خرّ من السماء : سقط إلى الأرض ، أي انحط من رفيع الإيمان إلى حضيض الكفر { فَتَخْطَفُهُ الطير } ، يقال : خطفه يخطفه : إذا سلبه ، ومنه قوله : { يَخْطَفُ أبصارهم } [ البقرة 20 ] . أي تخطف لحمه وتقطعه بمخالبها . قرأ أبو جعفر ونافع بتشديد الطاء وفتح الخاء ، وقرئ بكسر الخاء والطاء وبكسر التاء مع كسرهما { أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح } أي تقذفه وترمي به { فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } أي بعيد ، يقال : سحق يسحق سحقاً فهو سحاق إذا بعد . قال الزجاج : أعلم الله أن بعد من أشرك به من الحقّ ، كبعد ما خرّ من السماء ، فتذهب به الطير أو هوت به الريح في مكان بعيد .

/خ35