فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ أَوۡ تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ} (31)

{ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ( 31 ) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ( 32 ) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ( 33 ) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ( 34 ) } .

{ حُنَفَاء لِلَّهِ } أي مستقيمين على الحق أو مائلين إلى الحق مسلمين عادلين عن كل دين سوى دينه ، ولفظ حنفاء من الأضداد يقع على الاستقامة ، ويقع على الميل ، وقيل معناه حجاجا قاله ابن عباس .

وعن أبي بكر الصديق نحوه ولا وجه لهذا { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } شيئا من الأشياء كما يفيده الحذف من العموم تأكيد لما قبله ، وهما حالان من الواو في اجتنبوا ، والأولى مؤسسة ، والثانية مؤكدة ، قيل إن أهل الجاهلية كانوا يحجون مشركين ، فلما أظهر الله الإسلام قال الله للمسلمين : حجوا الآن غير مشركين به .

{ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ } مبتدأة مؤكدة لما قبلها من الأمر بالاجتناب ، والغرض بهذا ضرب المثل لمن يشرك بالله ، والمعنى أن بعد من أشرك به عن الحق والإيمان { فَكَأَنَّمَا خَرَّ } أي كبعد من سقط { مِنَ السَّمَاء } إلى الأرض ، أي انحط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر .

{ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْر } يقال خطفه يخطفه إذا سلبه ، ومنه قوله : { يخطف أبصارهم } أي تخطف لحمه وتسلبه وتقطعه بمخالبها وتذهب به ، وقرئ بتشديد الطاء وفتحها وبكسر الخاء والطاء وبكسر التاء مع كسرهما .

{ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ } أي تقذفه وترمي به { فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } يقال سحق يسحق سحقا فهو سحيق إذا بعد ، أي بعيد فلا يصل إليه أحد بحال ، قاله الزجاج وقيل شبه حال المشرك بحال الهاوي من السماء لأنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع حيث تسقطه الريح ، فهو هالك لا محالة ، إما باستلاب الطير لحمه أو بسقوطه في المكان السحيق .

قال الزمخشري : يجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق ، فإن كان تشبيها مركبا فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعد هلاك ، بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير متفرقا موزعا في حواصلها ، وعصفت به الريح حتى هوت به في بعض الأماكن البعيدة وإن كان مفرقا ، فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء ، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء والأهواء المردية بالطير المختطفة ، والشيطان الموقع في الضلال بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة .