اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ أَوۡ تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ} (31)

قوله : «حُنَفَاءَ لِلَّهِ » حال من فاعل «اجْتَنِبوا »{[31084]} ، وكذلك «غَيْرَ مُشْرِكِين »{[31085]} وهي{[31086]} حال مؤكدة إذ يلزم من كونهم «حنفاء » عدم الإشراك أي مخلصين له ، أي تمسكوا بالأوامر والنواهي على وجه العبادة لله{[31087]} وحده لا على وجه إشراك غير الله به ، فلذلك قال { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } . ثم قال : { وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السماء } أي : سقط من السماء إلى الأرض .

قوله : «فَتَخْطَفُهُ » . قرأ نافع بفتح الخاء والطاء مشددة{[31088]} ، وأصلها تختطفه{[31089]} فأدغم{[31090]} . وباقي السبعة «فتَخْطَفُه » بسكون الخاء وتخفيف الطاء{[31091]} . وقرأ الحسن{[31092]} والأعمش وأبو رجاء بكسر التاء والخاء والطاء مع التشديد{[31093]} . وروي عن الحسن أيضاً{[31094]} بفتح الطاء مشددة مع كسر التاء والخاء{[31095]} . وروي عن الأعمش كقراءة العامة إلا أنه بغير فاء «تخطفه »{[31096]} وتوجيه هذه القراءات قد تقدم في أوائل البقرة عند قوله : { يَكَادُ البرق يَخْطَفُ }{[31097]} [ البقرة : 20 ] . وقرأ أبو جعفر «الرياح » جمعاً{[31098]} .

وقوله : «خَرّ » في معنى ( تخر ) ، ولذلك عطف عليه المستقبل وهو «فتَخْطَفُه » {[31099]} .

ويجوز أن يكون على بابه ولا يكون «فَتَخْطَفُهُ » عطفاً عليه بل هو خبر مبتدأ مضمر أي : فهو تخطفه{[31100]} . قال الزمخشري : يجوز في هذا التشبيه أن يكون من{[31101]} المركب{[31102]} والمفرق{[31103]} فإن كان تشبيهاً مركباً ، فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكاً ليس وراءه إهلاك بأن صور حاله بصورة حال مَنْ خَرّ من السماء فاختطفته الطير فتفرق مُزَعاً{[31104]} في حواصلها ، أو عصفت به الرياح حتى هوت به في بعض المطاوح{[31105]} البعيدة .

وإن كان مفرقاً فقد شبه الإيمان في علوّه بالسماء ، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلال بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة{[31106]} . والسحيق البعيد ، ومنه : سَحَقَهُ الله ، أي : أبعده ، ومنه قول عليه السلام{[31107]} : «سُحْقاً سُحْقاً »{[31108]} أي بُعْداً بُعْداً . والنخلة السحوق الممتدة في{[31109]} السماء من ذلك{[31110]} .


[31084]:في ب: اختلفوا. وهو تحريف.
[31085]:انظر تفسير ابن عطية 10/274 وجوز ابن عطية أن يكون قوله: "غير مشركين" صفة لقوله (حنفاء).
[31086]:في الأصل: وهو.
[31087]:لله: سقط من الأصل.
[31088]:السبعة (436)، الكشف 2/119، النشر 2/326، الإتحاف (315).
[31089]:في الأصل: تخطفه. وهو تحريف.
[31090]:أي أن أصل (تخطفه) بتشديد الطاء (تختطفه) نقلت حركة التاء إلى الخاء وقلبت التاء طاء وأدغمت الطاء في الطاء فصارت (تخطفه). الممتع 2/72 – 713 شرح الشافية 3/285.
[31091]:أي أنه مضارع (خطف). السبعة (436)، الكشف 2/119، النشر 2/326، الإتحاف 315.
[31092]:الحسن: سقط من ب.
[31093]:تفسير ابن عطية 10/275، البحر المحيط 6/366.
[31094]:أيضا: سقط من ب.
[31095]:الحسن: سقط من ب.
[31096]:الحسن : سقط من ب.
[31097]:"يخطف": سقط من ب. [البقرة: 20].
[31098]:تفسير ابن عطية 10/275، البحر المحيط 6/366.
[31099]:انظر التبيان 2/941.
[31100]:انظر تفسير ابن عطية 10/275.
[31101]:من: مكرر في الأصل.
[31102]:التشبيه المركب: ما كان وجه الشبه منتزعا من عدة أمور يجمع بعضها إلى بعض ثم يستخرج من مجموعها الشبه. انظر أسرار البلاغة (73).
[31103]:التشبيه المفرق أو المفروق: هو أن يؤتى بمشبه ومشبه به ثم بمشبه ومشبه به أو بأكثر من ذلك كقول الشاعر: النشر مسك والوجوه دنا *** نير وأطراف الأكف عنم بغية الإيضاح 3/55.
[31104]:مزعا: هو جمع مزعة، وهو القطعة من اللحم، أي تفرق قطعا من اللحم في حواصلها. انظر اللسان (مزع).
[31105]:المطاوح: المقاذف. وطوحته الطوائح: قذفته القذائف. اللسان (طوح).
[31106]:الكشاف 3/31-32.
[31107]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[31108]:أخرجه البخاري (فتن) 4/221، مسلم (طهارة) 1/218، فضائل 4/1793، ابن ماجه (زهد) 2/1440، الموطأ (طهارة) 1/30، أحمد 2/300، 408، 3/28، 5/333، 339.
[31109]:في الأصل: من. وهو تحريف.
[31110]:اللسان (سحق).